بقلم: علي حسين باكير
يعتبر خط باكو-تبليسي-جيهان النفطي من اهم الخطوط النفطية عالميا، وهو ثاني اطول خط في العالم ويوصف بأنه “خط أنابين القرن”، وأطلق عليه البعض اسم “”PIPE LINE STAN” أي “انبوبستان” في إشارة إلى مدى استقلاليته وأهميته الذاتية، إذ استغرق بناؤه 11 سنة، وكلّف بين 3.6 و 3.9 مليار دولار، وعمل على انشائه حوالي 15 ألف شخص.”
يمتد هذا الخط النفطي في منطقة آسيا الوسطى-القوقاز والمتوسط، ويقوم بنقل النفط الخام الأذري من بحر قزوين الذي تشير التقديرات الى امتلاكه لاحتياطي مؤكد من النفط يتراوح بين 18 و34 مليار برميل واحتياطي محتمل يبلغ نحو 270 مليار برميل. وتعادل هذه التقديرات نحو ثلث احتياطي بترول الشرق الوسط. أما احتياطي الغاز المؤكد فيقدّر بـ 170 تريليون قدم مكعب وتقترب أرقام الاحتياطي المحتمل من 250 تريليون.
ويسير الخط من أذربيجان عبر جورجيا الى تركيا بمسافة تبلغ حوالي 1770 كلم وبأنبوب لا يزد عرضه عن 42 بوصة حيث يصب في مرفأ جيهان على البحر المتوسط، ناقلا حوالي مليون برميل يوميا من النفط الخام أو ما يمثّل 1% من إمدادات النفط العالمية. ويذهب معظم النفط عبر هذا الخط من المرفأ التركي مباشرة الى الأسواق العالمية لاسيما الى دول مثل ايطاليا، فرنسا واسبانيا، فيما يذهب بعض منه أيضا إلى الشرق الأقصى، والقليل إلى بريطانيا.
وتملك شركة “بي.بي” النفطية البريطانية 30.1% من الخط بينما تمتلك “سوكار” الأذرية 25%، و”تباو” التركية 6.53%، ومن بين المساهمين الآخرين “شيفرون” و”كونوكوفيليبس” الأمريكيتين، و”شتات اويل هيدرو” النرويجية و”ايني” الايطالية و”توتال” الفرنسي، وشركتين يابانيتين.
استلزم إنشاء هذا الخط تحولات سياسية كبيرة وشاقة أدخلت الولايات المتّحدة في نزاع مع روسيا نظرا للأضرار التي لحقت بروسيا جراء قيامه، حيث يهدف الى تخفيف احتكار روسيا لطرق توزيع النفط والامدادات، كما انّه يخفف الاعتماد ولو بنسبة ضئيلة عن نفط الخليج العربي.
ومن الناحية الجيو-سياسية فإن هذا الخط يعتبر أهم عنصر في استراتيجية الولايات المتحدة العامة فيما يخص انتزاع القوقاز وآسيا الوسطى من مخالب السيطرة الروسية، وكذلك التخلص من المنافذ النفطية والغازية عن طريق إيران.
لقد بدء المشروع بثلاث خيارات بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، خط يتجه شمالا نحو روسيا وآخر يتجه جنوبا عبر إيران والأخير يتوسطهما عبر القوقاز إلى البحر المتوسط، حيث تم اختيار الخط الأخير وذلك لأن الأول والثاني تسيطر عليه قوى “معادية” قد تلجأ إلى استغلاله في وقت الأزمات وقطع الإمدادات، وهو ما أثار حفيظة كل من روسيا وإيران خاصّة انّ المشروع الذي تم إقراره يعتبر الأكثر كلفة من الناحية المادية قياسا بالأول والثاني.
كما يكتسب اخط أهمية متزايدة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار امكانية تكامله مع شبكات نقل أخرى، اذ يسير بمحاذاته حاليا خط لنقل الغاز، كما انه قادر على نقل النفط من خطوط أخرى فرعية من دول عدّة كازاخستان ووسط آسيا ،حيث عملت الحكومة هناك على دراسة إنشاء خط نقل من مرفأ “اكتاو” على بحر قزوين حيث يقع حقل “كاشاجان” النفطي إلى “باكو”، ما لبث ان تمّ إلغاء المشروع لمعارضة روسيا وإيران له.
كما اقترحت العديد من الجهات إمكانية نقل نفط هذا الأنبوب إلى شرق آسيا من “جيهان التركية” عبر خط أنابيب “ايلات-اشكلون” الإسرائيلي، وبذلك يصبح من الممكن تسويق النفط الأذري وحتى الغاز إلى الأسواق العالمية بسعر اقل وكلفة اقل ومردود أعلى. ويكفي أن نعلم انّه يختصر المسافة المطلوبة من 2000 كلم غلى 600كلم حتى ندرك مدى الأهمية التي يكتسيها على هذا ا
لصعيد.
لصعيد.
إحدى الأسباب المهمة في اختيار هذا الخط، هو البحث عن الدول الاكثر استقرارا في المنطقة التي يجب ان يمر بها، ولسخرية القدر فالخط تعرض لضربتين في أيام معدودة في تركيا وجورجيا في الوقت نفسه!!
اذ تعرض القسم التركي من خط باكو-تبليسي-جيهان النفطي لهجوم مجهول المصدر، فيما عزا البعض الهجوم لحزب العمال الكردستاني الذي تبنى العملية قبل عدّة ايام من الأزمة الروسية-الجورجية، ما دفع الشركة المشغّلة وهي “بريتيش بتروليوم” إلى الإعلان عن عزمها وقف الإمداد وقطع الصمامات عن الأجزاء المتضررة من الخط ريثما يتم معالجة المشكلة وإخماد الحريق المشتعل.
وبينا كان يتم العمل على ذلك، غزت القوات الروسية جورجيا ما ادى الى تعطّل ووقف خطوط النقل التحويلية الاذرية-الجورجية بما في ذلك خط “باكو-سوبسا” الممتد على مسافة 550 ميل الذي تم تدشينه العام 1999، الى جانب توقف الامدادات النفطية البحرية الجورجية على البحر الأسود نتيجة للحصار البحري الذي فرضه الاسطول الروسي على المرافئ الجورجية. وقد صرّح الرئيس الجورجي سكشفيلي انّ روسيا قامت باستهداف الخط النفطي هذا في إطار استهدافها للبنية الاقتصادية للبلاد من خلال الغارات التي شنتها على المرافق الحيوية للبلاد، وانّ القصف الروسي طال جزءا من الانبوب، في حين انكرت القيادة الروسية هذا الخبر مؤّكدة انّها لم تقدم على ذلك.
أدى تعطّل خط باكو-تيبليسي-جيهان النفطي الى رفع سعر النفط عالميا دولارا واحدا، لكن إغلاقه يكلّف تركيا خسارة عوائد تبلغ قيمتها حوالي 300 ألف دولار يوميا، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار انّ إصلاحه يتطلب بين الأسبوع أو الأسبوعين فهذا يعني خسائر تركيّة بقيمة حوالي 2 الى 4 مليون دولار.
وتقدر تركيا ان 8% من تدفق النفط العالمي سيتم عبر أراضيها لكونها نقطة استلام توزيع لشحنات النفط والغاز في المنطقة، وهي تحصل على سبيل المثال على عوائد تقدر قيمتها بحوالي 300 مليون دولار سنويا كعائدات لمرور البترول عبر هذا الخط فقط في أراضيها.
في حين جورجيا على 60 إلى 70 مليون دولار سنويا أو 2 مليار دولار خلال المدة الافتراضية للخط، كما ساهم مشروع الخط بتحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي بلغ حوالي 2%.
ولاشك انّ خط باكو-جيهان قد أعطى أهمية اقتصادية متزايدة لمرفأ جيهان التركي، وعزز من قدرته التجارية ودوره على البحر المتوسط وزاد من عائداته وخفف من حركة الناقلات في البوسفور. ويحتوي ميناء جيهان التركي على منشآت تخزين تتّسع لـ7.5 مليون برميل من النفط أو ما يكفي لملء سبع ناقلات نفط كبيرة، ولذلك فمن المتوقع ان يتم الاعتماد على هذه الكمية ريثما يتم إصلاح القسم المعطّل من الأنبوب.