ما يحسب للمثقفين و الاعلاميين الاكراد انهم بعد سقوط النظام السابق تبنوا حملة الدفاع عن قضيتهم القومية عبر العشرات من المواقع اللاكترونية و الصحف و المجلات داخل و خارج العراق.. واضافة الى دفاعهم عن الافكار السياسية الكردية، و لسنا هنا بصدد مناقشتها سلبا ام ايجابا، فأن هؤلاء الاعلاميين و الكتاب عملوا كثيرا على تلميع صورة الادارات السياسية الحاكمة في الاقليم بكل ما تحمله من ارهاصات انعكست على حالات التفاوت الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي على بقية شرائح المجتمع.
اسوق هذه المقدمة و انا افاجئ باستطلاع نشرته احدى منظمات المجتمع المدني عن حرية الرأي في اقليم كردستان و قبلها عشرات التقارير التي نشرت و هي تتحدث عن حالات الانتحار بين اوساط النساء في محافظات اربيل و السليمانية و دهوك، و كذلك ما يتناقله الزائرون لهذه المحافظات من تعامل سيء من قبل الأجهزة الأمنية (الآسايش) و محاولة وضع العصي في العجل امام حركة السياحة.
يشير تقرير منظمة( بوينت)الكردية ان نصف المجتمع الكردي يرى” ان يرى أن الحريات الأساسية، وتحديداً حرية التعبير عن الرأي، غير متاحة في مدن إقليم كردستان شبه المستقل عن الحكومة المركزية في بغداد منذ تسعينات القرن الماضي”، مشيرة الى “وجود حال من الشعور بالكبت السياسي لدى السكان في ظل سيطرة الحزبين الكرديين الرئيسيين على مفاصل السلطة”.
و يذهب الاستطلاع الى ان “الجزء الأكبر من الشارع الكردستاني غير راض عن النظام الحالي، نظراً إلى تدهور الحريات الأساسية التي نصت عليها القوانين والأعراف والمواثيق الدولية بشكل صريح”.
وكشف الاستطلاع الذي تضمن 30 سؤالاً، معظمها يتعلق بالجانب الأمني والحريات العامة وظهرت نتائجه وفق نسب مئوية، عن قلق وتخوف يساوران جزءاً كبيراً من الشعب الكردي نتيجة الخوف من السلطة. وأكد أن «سبب الخوف وعدم الشعور بالحرية لدى أكثر من نصف المشاركين بالاستطلاع نابع من اعتقادهم بأن اقليم كردستان لا يتمتع بنظام ديموقراطي فعلي».
وأظهر الاستطلاع أيضاً تبايناً في نظرة الأكراد إلى سلطة القانون وقوة هذه السلطة في الاقليم، بين مصدق لذلك وآخر يعتبرها ضرباً من «الدعاية والتجميل والديكور».
وأكدت المنظمة الكردية أن الأمر «ازداد سوءاً عندما أكد 49.1 في المئة من المشاركين في هذا الاستطلاع أنه ليست هناك أي مؤسسة في الاقليم تستطيع الوقوف في وجه السلطة إذا اعتدت على حق المواطن في التعبير عن رأيه بحرية».
وأكدت المنظمة أن الترويج لتطبيق الديموقراطية في اقليم كردستان «مجرد دعاية إعلامية، ومن الدلائل على ذلك وجود أزمة ثقة بين المواطن والإعلام الكردستاني في موضوع الحريات العامة التي تروج لها وسائل إعلام الأحزاب الحاكمة». وأشارت الى ان الاستطلاع «أظهر أن السلطة في كردستان موضع شك كبير، بعد ان اتفق 59.2 في المئة على أنها تمارس سياسة كبت الحريات بحجة ضمان الأمن».
و هنا نعود الى نقطة البداية .. اذا كانت هذه قناعات المواطن الكردي و هذه آرائه فكيف يكون رأي المواطن العادي الذي يلاقي الامرين و هو يتمنى زيارة ارض كردستان و مصايفها لقضاء صيف لاهب.
ان من يعتقد ان الادارات الحاكمة في الاقليم تسعى جاهدة لبناء سعادة شعبها فهو واهم الى درجة كبيرة.. فالذي يطلع على الاستطلاع و قبله الارقام المخيفة في اعداد المنتحرات في المحافظات الثلاث نتيجة الكبت الاجتماعي و معاملة المرأة على انها جارية و ليست عضو مشارك و فعال في بناء الاقليم، يتوصل الى نتيجة مفادها ان حجم الاستثمار و الاعمار في الاقليم و التي تزداد باستمرار ما هي الا عملية تلميع خارجي لتلك الادارات دون الخوض في بناء الانسان و تعزيز حقوقه الدستورية و جعله اللبنة الاساس في كل صغيرة و كبيرة و هذا يذكرنا بفترة السبعينيات و الثمانينيات حيث امتلت خزائن العراق بأموال النفط و بدأ النظام السابق يصرفها بالبناء و انشاء المشاريع دون ان يلتفت الى العراقيين و يبني مواهبه و افكاره و خبراته و توجهه مما ادى الى خلق فجوة كبيرة بين البناء المادي و البناء الفكري و العلمي للعراقيين.
لسنا هنا بصدد مهاجمة تجربة الاقليم و التي تمتد بحدود عشرون عاماً بقدر ما يهمنا ذلك المواطن العراقي الكردي الذي هو جزء من هذا الشعب الذي يتمنى ان يصحو يوما و هو يصرخ بوجه اي كان دون ان يخاف سوط جلاد او زنزانة حقيرة يقضي نصف عمره فيها دون ان يعلم عنه احد شيء، ما يتمناه العراقي عربي او كردي ان يتصرف وفق حقوقه وواجباته دون ان يفرض الساسة عليهم نوع السلوك و الكلام و الرأي و المشي و ربما حتى اللبس و المنام.. المواطن العراقي عري او كردي يريد ان ينسى ان ثمة رقيب ينتظر الكلمة المنطلقة من طرفي اللسان ليسوقه الى نار جهنم الاجهزة الامنية و يطعمه سياطاً.
العراقيون جميعا كردهم و عربهم يرفعون اليوم شعار ابعدوا الطغاة عن طريقنا و دعونا ننعم ببلدنا بجباله و اهواره.. بصحرائه ووديانه دون ان تنصبوا كاميرات المراقبة و ترسلوا خلفنا من يحسب علينا انفاسنا.. نريد نعيش احراراً في بلادنا .. نقول و نفعل ما نريد.