في قاعة المؤتمرات بأحد فنادق مدينة دنفر بولاية كولورادو الأمريكية، صدحت آيات القرآن الكريم لتطرب آذان سامعيها من المسلمين المنتمين للحزب الديمقراطي. وبعد الانتهاء من تلاوة الآيات الكريمة.. وقف كل من في القاعة إثر قيام جماعة من الكشافة باعتلاء خشبة المسرح، ممسكة بالعلم الأمريكي، وقام الحاضرون بوضع أيديهم على قلوبهم أثناء عزف النشيد الوطني الأمريكي، في تقدير بالغ.
هذه الأجواء الحيوية سرت في “مؤتمر مسلمي أمريكا الديمقراطيين”، أول مؤتمر خاص بهم ينظمه المسلمون المؤيدون والمنتمون للحزب الديمقراطي لتوحيد جهودهم، وتقديم أنفسهم ككتلة انتخابية يُحسب لها حساب مثل الكتلتين اليهودية والإسبانية.
وانعقد مؤتمر مسلمي الحزب الديمقراطي باقتراح عضوة الحزب الطبيبة المسلمة المتقاعدة عنايات ليلاني، في إطار فعاليات مؤتمر الحزب الذي اختتم أعماله اليوم الخميس 28-8-2008 لإعلان ترشيح السيناتور باراك أوباما رسميا لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة نوفمبر القادم.
ووفقا لصحيفة “ذا جارديان” البريطانية فإن فكرة المؤتمر نبعت من إحساس مسلمي أمريكا بأنهم يواجهون أسوأ أوقاتهم بسبب صور الاضطهاد والتمييز التي يعانونها في إطار ما تسميه واشنطن بـ”الحرب على الإرهاب”.
وظهرت أشكال التمييز جلية في حملات الإعداد للسباق الرئاسي، حيث استغل منافسو أوباما أصوله المسلمة لتحذير الأمريكيين من مغبة اختياره رئيسا لبلادهم، ووصل الأمر لأبعد من ذلك عندما انتشرت شائعات على الإنترنت بأنه ما زال مسلما؛ وهو ما أثار موجة استياء بين المسلمين الذين رأوا أن مجرد اتهام أوباما بأنه مسلم يعكس صورة سياسية سلبية.
وعن ذلك قالت ليلاني: “إنه (أوباما) ليس بمسلم وهو يعترف بذلك، ولكنني مسلمة، فهل من العدل إذا رشحت نفسي لهذا المنصب أن يقال عني غير ذلك؟”.
وتخوفا من أن تقلل الصلة المزعومة بين أوباما والإسلام فرصته في السباق الرئاسي، فقد حرص على تجنب أي علاقات وطيدة مع المسلمين، لدرجة أن منظمي حملته الانتخابية أبعدوا مسلمتين محجبتين كانتا تقفان خلفه في أحد الاجتماعات بمدينة ديترويت الأمريكية، وإن كان أوباما عاد واعتذر لهما بنفسه بعد حملة انتقادات شنتها منظمات إسلامية.
ويؤكد مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) -أكبر منظمة إسلامية تدافع عن حقوق المسلمين بأمريكا الشمالية- وجود محاولات يقوم بها أشخاص معادون للإسلام لـ”حرمان المسلمين من دخول العملية السياسية، وإضعاف صوتهم وتأثيرهم” في مقابل تزايد تأثير أقليات أخرى مثل اليهود.
ودفعت إحدى هذه المحاولات مستشار أوباما مازن صبحي للاستقالة من وظيفته أوائل أغسطس الجاري بعد جهود قام بها نشطاء معادون للإسلام للربط بينه وبين ناشط مسلم اتهم بتمويل حركة حماس الفلسطينية.
“لن ننعزل”
وبرغم شعور المسلمين بأن هناك محاولات لاستبعادهم من الحياة السياسية فإن أجواء اجتماعات مؤتمر المسلمين الديمقراطيين بدينفر اتسمت بالروح المعنوية العالية، والإصرار على المشاركة غير العادية، عبر عنه أول مسلم يُنتخب في الكونجرس الأمريكي كيث إيلسون، بتأكيده أن المسلمين لن يعيشوا بمعزل عن الحياة العامة.
وبرر إيلسون النائب عن ولاية مينيسوتا هذا الإصرار قائلا: “لا يوجد في الإسلام ما يخالف التقاليد الأمريكية، فالمثل العليا لأمريكا هي نفس المثل العليا في الإسلام”.
وبنفس الروح تحدث أندريه كارسون ثاني مسلم في الكونجرس عن المصاعب التي يواجهها أي مسلم يرشح نفسه لمنصب مهم في الولايات المتحدة قائلا: لا مناص لأي مسلم ينتخب لمناصب حساسة من مواجهة صعوبات وتحديات.. لقد تعرض كيث قبلي لآلام ولألسنة حداد، وأنا لن أكون استثناء من القاعدة”.
وأضاف أندريه: “المسلمون في هذا البلد يحتاجون إلى القيام بمشاركة أكبر في الحيا
ة العامة، فأين هم في البرلمان؟ وأين هم بين رؤساء البلديات وحكام الولايات؟!”.
ة العامة، فأين هم في البرلمان؟ وأين هم بين رؤساء البلديات وحكام الولايات؟!”.
والمسلمون في أمريكا كيان متنوع من أصول مختلفة، يشكلون كتلة انتخابية قوية من حيث أعدادهم ومواقعهم الجغرافية في الولايات الرئيسية، وهي قوة آخذة في الازدياد في السنوات الأخيرة.
ومع عدم الاتفاق على الرقم بشكل دقيق، فإن عنايات ليلاني تعتقد أن أصوات المسلمين في أمريكا قد تتراوح بين مليوني و4 ملايين صوت، بما في ذلك 245 ألف صوت في ولاية ميتشيجان، إحدى الولايات الهامة للمرشحين، و63 ألف صوت آخر في ولاية بنسلفانيا التي لا تقل أهمية عن سالفتها.
وهذا من شأنه أن يجعل من المسلمين كتلة انتخابية تتمتع بقوة جاذبة لأي حزب سياسي إليها، على غرار ما يقوم به السياسيون من مغازلة الأصوات اليهودية أو الإسبانية في البلاد.
ولم يهدف اجتماع مسلمي الحزب الديمقراطي في دينفر للحث على المشاركة في الانتخابات وحسب، بل هدف أيضا للبحث في مكافحة التحيز ضد المسلمين وللتعبير عن رغبة حقيقية في الانتماء للمجتمع الأمريكي.
وتعبر عن هذا ليلاني بقولها: “رسالتنا: أن المسلمين الأمريكيين أمريكيون أبا عن جد، وتهميشنا في الحياة السياسة هو سياسة إقصاء، في رأيي، لا تمت إلى التقاليد الأمريكية بصلة”.
(اسلام اون لاين)