ربما تحمل لنا الأيام القادمة عودة قوية للشخصية الكاريزماتية القوية التي ظلت تشتغل في خلف الستار وتشارك بصمت في إنعاش التجربة الديمقراطية وفي صنع معظم فصول الحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي لماليزيا المعاصرة إلى جانب محمد مهاتير وعبد الله بدوي.
هذه الشخصية هو أنور إبراهيم البالغ من العمر واحد وستين عام الذي شارك في انتفاضة 1969 وأسس حركة الشباب الماليزي( أبيم) التي تطالب بحقوق المسلمين إلى جانب السكان ذوي الأصول الصينية والهندية والذي تبنى خيارات إسلامية منفتحة في الأفكار الديمقراطية مما ساعده على الانضمام إلى الحزب ( أمنو) الذي يقوده مهاتير محمد سنة 1982 ويصبح نائبا برلمانيا ويتقلد منصب عمدة كوالامبور ونائب رئاسة الحزب الحاكم ورئاسة الوزراء إلى 1998 السنة التي تعرضت فيها إلى أزمة مالية خانقة نتيجة سحب رجل أعمال كبير لاعتماداته المالية وإيقافه لاستثماراته من البلاد.
في هذه الأثناء أطرد إبراهيم من الحزب وأقيل من كل مسؤولياته واتهم بالفساد المالي و ووجهت إليه تهمة الشذوذ وقد حكم عليه بخمسة عشر سنة وقد دافع عن نفسه وشكك في التهم الموجهة إليه وصرح بأن ما حصل إليه هو مكيدة سياسية للتخلص منه وقد تعاطفت معه العديد منظمات حقوق الإنسان الدولية وطالبت بإطلاق سراحه وتعاطف معه الشعب الماليزي بتراجع تأييده لمحمد مهاتير وتناقص نواب الحزب الحاكم في البرلمان أثناء انتخابات 1999.
عانى أنور إبراهيم قسوة الإبعاد وتواصلت المسيرة السياسية لحزب عدالة الشعب متذبذبة وخالية من أي تأثير على المشهد السياسي الماليزي نتيجة الحضور الباهت له والفراغ الذي تركه إبعاد إبراهيم من المشاركة وتصارع قياداته حول الزعامة وصعود نجم عبد الله بدوي بعد أن قدم محمد مهاتير استقالته سنة 2003 وعزمه الخروج من الحياة السياسية بعد تحقيقه انجازات اقتصادية وسياسية مهمة مما مكن حزب أمنو من الفوز بتسعين بالمائة من الأصًوات في انتخابات 2004.
غير أن الفاعل السياسي الجديد في المشهد الماليزي عبد الله مدني وجد نفسه مجبر على إغلاق ملف حبس أنور إبراهيم بعد تصاعد الضغط الذي مارسه الإعلام الجديد وخاصة حرية التعبير الرقمية التي أجمعت على لاشرعية محاكمته وضرورة إطلاق سراحه وهو ما حصل بالفعل أواخر سنة 2004 .
لقد ظل أنور قريبا من الحياة السياسية ومارس النقد والمحاسبة للحكومة ورغم منعه من الترشح في الانتخابات المذكورة نتيجة الحظر السياسي عليه إلا أن شعبيته تضاعفت وقد شغلت زوجته وان عزيزة نائبة لدائرة بيرماتانج بوه عن ولاية بينانج الواقعة شمالي البلاد.
عديدة هي العوامل التي تقودنا إلى الاستنتاج بأن عودة أنور إبراهيم إلى الحياة السياسية ستكون من الباب الكبير وربما قد تقوده إلى رئاسة الوزراء وأهمها فوزه في الانتخابات التي نظمت يوم 26 أوت 2008 عن حزب عدالة الشعب الذي يقوده وهو حزب يشبه في أدبياته نموذج العدالة والتنمية في تركيا أي يمزج بين الإسلام والعلمانية، أما العامل الثاني فيتمثل في استقالة زوجته من المنافسة عن الدائرة المذكورة ثم نية عبد الله مدني التنحي والانسحاب من الحياة السياسية مع موفى سنة 2010 بعد الاتهامات بالضعف والفساد والانتقادات اللاذعة التي وجهها له محمد مهاتير واستقالة هذا الأخير من الحزب الحاكم وبعد تسرب فرضية تورط نائب رئيس نفس الحزب نجيب رزاق في فضائح وجرائم أخلاقية وهو ما يعني استحالة تسلمه المشعل من عبد الله مدني في حالة تأكد عزوفه عن العمل السياسي مع انتهاء المدة التي يخولها له القانون.
كل هذه الظروف تجعل من أنور إبراهيم الشخصية الجديرة بالثقة التي يمكنها أن تقود ماليزيا إلى المزيد من الاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي خاصة في ظل براءة الرجل من كل التهم الموجهة له وتمتعه بشعبية واسعة وخبرته السياسية الكبيرة وحنكته القيادية، فهل تجري الرياح بما تشتهي رياح التنبؤات أم أن مثل هذه التحليلات تظل مجرد تخمينات؟
كاتب فلسفي