في الوقت الذي يتابع فيه محترفو العمل السياسي وبخاصة أعضاء ما يسمى ( المؤتمر القومي العربي ) ثرثراتهم التنظيرية الكلمنجية في بازاراتهم الموسمية التي ترعاها بالتناوب بعض الأنظمة الخانعة والتي لم يكن لها أي مردود لا على صعيد مراكمة الوعي السياسي ولا على صعيد الممارسة والفعل..! وفي الوقت الذي تتابع فيه الجامعة العربية استعراضاتها الخلّبية، وبياناتها الصفرية، وتصريحات أمينها العام السياحية وهو اليوم يشيد بالخطوة الجريئة للجنة التضامن الدولية وفي نفس الوقت يطالب منظمات المجتمع المدني العربية بمحاكاتها مستغبياً شعوب جامعته متناسياً أن الدول التي يرأس جامعتهم لا تعترف ولا تشرعن مثل هذه المنظمات لا بل تدكهم في السجون، في هذا الوقت فإن عدداً محدودا من رجال الضمير الأوربيين سجلوا اختراقاً عملياً جريئاً في جدار العزل الإسرائيلي وهو أول انجاز عملي على جبهة مقاومة الحصار الإسرائيلي العربي الرسمي المشترك لشعب غزة باعتباره عقاباً جماعياً تجرِّمه القوانين الدولية الإنسانية.!
ليس جديداً مثل هذه المبادرات التي يقوم بها نشطاء سلام وتضامن في منظمات مجتمعية مدنية أوروبية مع قضايا المضطهدين في العالم ففي معظم الدول الغربية، ولحساب ديمقراطيتها الرصينة، تتحرك منظمات المجتمع المدني بشكل فعَّال ومبادر وبخاصة في الحقل الإنساني لكن، اللافت هو مشاركة ناشط مدني يهودي في رحلة اختراق الحصار المسماة: غزة حرة.. وهذا الناشط الإسرائيلي الجنسية هو البروفيسور ( قيف هيلفر ) الذي يرأس لجنة إسرائيلية تقاوم هدم البيوت من قبل الجيش الإسرائيلي وهو ساهم مع المتضامنين الغربيين بالرغم من النتائج السلبية المترتبة على ذلك بسبب وجود قرار عسكري يحظر دخول الإسرائيليين إلى القطاع..! إذن: ماذا سيقول الاقصائيون التكفيريون لمثل هذا الإنسان سليل القردة والخنازير الذي سبق الكلمنجببن مدمني الثرثرة من قوميين وإسلاميين وقدم درساً عملياً في الأخلاق والشرف والمصداقية على بيدرهم بالذات..!؟
البروفيسور ( هيلفر ) ليس أول يهودي يعلن مناهضته لممارسات دولته فهناك عدد كبير من نشطاء السلام اليهود في المجتمع الإسرائيلي إسرائيل وخارجه…!
لقد جاء إلى بيروت بعد حرب تموز مؤلف كتاب ( صناعة الهولوكست ) المفكر اليساري ـ نورمن فنكلستين ـ وهو يهودي أمريكي معادٍ لسياسات بلده فيما خص قضية الشعب الفلسطيني ومناهض لسياسات الحركة الصهيونية ودولتها إسرائيل وقد دفع ثمناً باهظاً في بلاده أمريكا من جراء ضميره الحي، و سموه الأخلاقي، ووعيه الإنساني.. وقد احتجزته حكومة إسرائيل في زنزانة في مطار بن غوريون قبل إبعاده ومنعه من دخول البلاد .! ولا يخلو بلد ديمقراطي بطبيعة الحال من مثل هذه المشاعل الضميرية ففي البيئة الديمقراطية وحدها تتخلق المبادرات.. وتسمو القيم على المصالح.. وتثمر الحرية أفعالاً نفترض أنها ستضع مدمني الثرثرة التنظيرية العرب وجهاً لوجه أمام شعوبهم عسى أن يشعروا بوخز الضمير أو على الأقل بنوبة خرس.!
إنه لكان من المستحيل التفكير بمستقل مختلف لو لم يكن هناك مثل أولئك وهؤلاء الشرفاء ولا بد من التنويه أخيراً بخطوة منح هؤلاء العقلاء الجنسية الفلسطينية فقد كان ذلك فعلاً مقابلاً وجميلاً بحق.!