لم أكن أتوقع يوما أن أسمع أو أن أجد صحفيا يحاور نفسه بنفسه بأسماء مستعارة في أكثر من مكان ،إلا في عصر الخيال ،خاصة عندما يتعلق الأمر لكشف الحقيقية ،وكنت أعتقد ذلك ضربا من ضروب السخرية، لايقبله العقل ولايصدقه الواقع ،حتى جاء عهد الأنترنت ومحركات البحث وأماط اللثام على بعض الكائنات البشرية ،ووضعهم أمام المرآة ليرو أحجامهم الحقيقية عند المواطن ،بعيدا عن زخرفة القنوات الفضائية التي صنعت منهم تماثيلا وأصناما يراد لها أن تُعبد، وبعيدا عن صحافة المراحيض التي تنطق بلسان فرعون وقارون. إن المنتديات وبعض المواقع التي تحترم نفسها وقرّاءها ،قفزت قفزات نوعية في توعية الرأي العام ،ووصلت إلى قلب القارئ بعيدا عن الحشو والمقالب ،بل من خلال الطرح الهادف ،والحريات التي لاإفراط فيها ولاتفريط ،وتكافؤ الفرص التي تبين الغث من السمين في لحظات معدودة ، أما صحافة الكذب والتدليس وتشويه الحقائق ،التي لازالت تسعى لترويض الشعوب، فإنها بقيت على حالها، تمارس هذه العادة القبيحة من دون حياء ولا حشمة، ظنا منها ،أنها تساهم في توجيه الرأي العام. تجد مثلا موضوعا، فيكتب الصحفي ردودا بأسماء مستعارة ليصنع رأيا للقارئ بأن هناك تفاعل مع مقالاته ومع الصحيفة نفسها ، تبًّا لهذه الثقافة. كنت أحفظ مثلا شعبيا ولو أن فيه بعض الكلمات الخادشة للحياء، إلا أنه يعبر بدقة عمّا أريده ،يقول “ياخراي الثلج يطير الثلج ويبان خراك” وهو مثال ينطبق على بعض من نعنيهم من( الصحفيين). قد يكتب الصحفي بأسماء مستعارة في حالة الحرب ،وهو يواجه آلة الموت كل يوم، فيلجئ لتسريب أخبار أمنية أو سياسية ،أو لملفات الفساد الكبرى .وقد يلجئ الصحفي أيضا لهذا الفعل ،عندما يكون في بلاد لايحكمها القانون ،بل القبعة واليد على الزناد هما صاحبا الموقف ،وقد تلجئ المرأة العفيفة الطاهرة التي ليس لها معين، لأنها تخشى أن يتلطخ شرفها ويُقطع رزقها بمقال ،وإن فعلت ذلك فلها ألف عذر،ولها الحق أن تكتب بأسماء رجالية لأنها أحسن كثيرا من بعض من تذكَّروا بألقاب الرجال وهم خنّث . وقد يلجئ إلى ذلك بعض الناس ،الذي يحملون أفكارًا ولهم أخلاق راقية وسمعة طيبة بين الناس، وخشية من تلطيخ سمعتهم في بعض المواقع أو المنتديات ،التي لاتعرف فن الحوار أو ربما يلاحقون بتهم ملفقة ،أو بالكتابة مكانهم وتحميلهم أشياء لايقبلها العقل والمنطق. لكن ،أن يلجأ صحفي ليحاور نفسه باسمه المستعار،قصد الحصول على اللجوء السياسي ويدعي الشجاعة والثقافة والإقدام خاصة عندما يطعن في قادة عظام صنعوا مجد هذه الأمة ،ويقدّم نفسه في أكثر من مكان على أساس أنه باحث وخبير وهو يستقي معلوماته من صحافة المراحيض وهو عاطل عن العمل منذ سنوات، وينقل موضوعاته إلى المنتديات بحثا عن التعاطف والشهرة كأن له قراء متأثرون بفكره ،وعلى الصفحة الرئيسية من على جريدة تدّعي أنها دولية يقدم نفسه فيها إلى القارئ بأنه توصل إلى معلومات لايتحصل لها إلا هو ،يقدمها للجريدة حصريا كما أصبح يقال، ويضع صورته قبل أن يصبح أصلعا ،فهذا فلم سينمائي لايصلح إلا مع صحفي غبي، أراد بكل وسائل المكر والخداع أن يصل إلى قلب القارء ،ويتصدر المعارضة والصفحات الأولى للجرائد كما فعل من قبله بشهاداتهم ويحصل على ماحصلوا من دولاارات ،لكن هيهات هيهات فليس كل مايلمع ذهبا. والأغرب من ذلك هو أن تسرب له قناة صنعت منه نجماً في خلال ساعة واحدة لم يكن ليصل إليه طوال حياته ،ومهدت له الطريق ببث خبر يفيد أنه المطلوب عند الأنتربول ويتهمها فيما بعد باسم أنثوي نتحفظ عنه احتراما للآخر ليس له ،لأن الآخر لاناقة له في الموضوع ولاجمل ،وليصنع من نفسه مرجعا للسبق الإخباري . إن التاريخ علمنا أنه “من عمل على إرضاء الله رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ، ومن عمل على إرضاء الناس سخط الله عنه وأسخط عنه الناس”.