برنارد كوشنير وزير الخارجية الفرنسي كان الراعي الرئيسي للمشروع الأمريكي في لبنان، وذلك يعود للعلاقات المميزة بين فرنسا والرباعي اللبناني (السنيورة، الحريري،جعجع والجميل)، وقد أقام أيام وليالي في لبنان لتحقيق هذا المشروع بعد فشل العدوان الإسرائيلي على لبنان في تحقيق ذلك في العام 2006.
ولكن صمود وإصرار المقاومة الوطنية اللبنانية وعلى رأسها حزب الله استطاعوا مجتمعين إفشال هذا الموضوع، وتم في النهاية انتخاب الرئيس اللبناني وتشكيل حكومة وحدة وطنية كان الحفاظ على المقاومة ونهجها وسلاحها بند رئيسي وأساسي في برنامج هذه الحكومة، وقد كان كوشنير من أشد المتحمسين لزيادة الشقاق في لبنان عندما أطلق تصريحه الشهير حول موضوع انتخاب الرئيس اللبناني قائلاً حول “استعداد فرنسا للاعتراف برئيس لبناني يحصل على أصوات الأكثرية المطلقة من النواب في ما لو تعذر الوفاق”، وكل متتبع ومطلع على التركيبة السياسية والطائفية في لبنان يعرف ما هي نتائج مثل هذه الخطوة على الأرض، وما تمثله لتجاوز صارخ للدستور اللبناني الذي ينص على انتخاب الرئيس بأغلبية الثلثين من أعضاء البرلمان.
وبعد تحقيق التوافق اللبناني، وبدء إجراءات التقارب السوري – اللبناني باتجاه بناء علاقات دبلوماسية على مستوى السفراء، وبدء عودة المياه لمجاريها بين الدولتين، جاء كوشنير ليحاول مرّة أخرى من أجل بحث إمكانية الحد من قدرات حزب الله من خلال الضغط على سوريا في هذا الموضوع، كل ذلك مقابل علاقات دبلوماسية كاملة معها، ولسان حاله يقول نقترب من سوريا بمقدار ابتعادها عن حزب الله، وهذا الموقف برز عند حديثه عن أجندة اجتماعاته مع القيادة السورية حينما قال “هناك مشكلة حزب الله، الذي يسترعي اهتمامنا كثيراً، ومشكلة التصريحات أكان من الجانب الإسرائيلي أو الجانب اللبناني”.
وهنا يحاول كوشنير تغطية الشمس بغربال، فلو استذكرنا ماهية التصريحات التي يتحدث عنها كوشنير، فالحديث يدور عن التهديدات الإسرائيلية للبنان في أعقاب نيل الحكومة اللبنانية الثقة على أساس برنامجها الذي منح المقاومة اللبنانية الحق في تحرير الأراضي اللبنانية مشرعاً لها كافة السبل المتاحة بما فيها المقاومة المسلحة، هذا الموقف أثار حفيظة دولة الاحتلال وسياسيها وعسكريها وهددت بقصف لبنان على خلفية برنامج هذه الحكومة، وما قام به حزب الله بعد هذه التهديدات وعلى لسان أمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله أن أعلن بأن أي عدوان تشنه دولة الاحتلال الإسرائيلي على لبنان سيقابل برد قوي، وبصورة أعنف من تلك التي واجهتها دولة الاحتلال في أعقاب عدوانها على لبنان.
وفي ظل هذه المعطيات وهذه المواقف كان يجب أن يسترعي انتباه واهتمام وزير الخارجية الفرنسي كوشنير هو التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان لا مواقف حزب الله الذي أعلن عن استعداده للدفاع عن لبنان أمام أي عدوان إسرائيلي محتمل في أعقاب هذه التهديدات، في الوقت نفسه تناسى كوشنير إن من حق المقاومة الوطنية اللبنانية ممارسة حتى المقاومة المسلحة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في مزارع شبعا وقرية الغجر وغبرها من الأراضي اللبنانية وفق ما شرعته المواثيق الدولية، وعليه إدراك مكامن الخطر الحقيقية في المنطقة برمتها وليس فقط على الحدود اللبنانية والفلسطينية المحتلة والمتمثلة بالاحتلال في فلسطين والعراق ولبنان، وأن لا يحاول الترويج بأن المشكلة هي حزب الله وسلاحه.
وهذه السياسية الفرنسية ليست بجديدة على المنطقة، فالكل منا يذكر تصريحات وزير الخارجية الفرنسي السابق ليونيل جوسبان والذي اتهم فيها حزب الله والمقاومة الوطنية اللبنانية بالإرهاب (شهران قبل تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي) في وقت كانت إسرائيل تحتل فيه جنوب لبنان بأكمله وليس مزارع شبعا وقرية الغجر وحدهما، وقالها في حينه وبكل وقاحة وهو يقف بجانب ساسة الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس المحتلة.
والرد الذي تلقاه جوسبان في حينه كان فلسطينياً خالصاً عندما هوجم ومرافقيه بالحجارة من طلبة جامعة بيرزيت الغاضبين على تصريحاته، وقد يكون كوشنير قد اتعظ من جوسبان وقرر اقتصار زيارته على لبنان وسوريا في الوقت الذي كان من ضمن برنامجه زيارة فلسطين المحتلة ومصر، وقد يكون مصيره السياسي على المدى البعيد ليس بأفضل من مصير ليونيل جوسبان الذب غاب عن الساحة السياسية الفرنسية دون رجعه.
بالتالي على كوشنير ورئيسه في قصر الإليزيه وغيرهم من قادة الاتحاد الأوروبي وحلفائهم الأميركيان أن يدركوا أن الخطر المحدق بلبنان ليس من الشمال لا
بل من الجنوب من دولة الاحتلال التي لم تتوقف يوماً في عدوانها على لبنان تحت أنظار ومسامع العالم أجمع، ومن ثم يأتي هذا العالم ليحمل حزب الله والمقاومة الوطنية اللبنانية وسوريا المسئولية، متناسين أن إسرائيل هي من تحتل الأراضي السورية واللبنانية والفلسطينية، ولكن ستبقى الضحية هي التي تتحمل المسئولية في النظام العالمي الجديد القائم على الظلم والاستعمار.
بل من الجنوب من دولة الاحتلال التي لم تتوقف يوماً في عدوانها على لبنان تحت أنظار ومسامع العالم أجمع، ومن ثم يأتي هذا العالم ليحمل حزب الله والمقاومة الوطنية اللبنانية وسوريا المسئولية، متناسين أن إسرائيل هي من تحتل الأراضي السورية واللبنانية والفلسطينية، ولكن ستبقى الضحية هي التي تتحمل المسئولية في النظام العالمي الجديد القائم على الظلم والاستعمار.
فلسطين 27/08/2008