لم يكن التاسع عشر من أغسطس لهذا العام 2008م يوما كبقية أيام الخريف
لم يكن التاسع عشر من أغسطس لهذا العام 2008م يوما كبقية أيام الخريف حيث تتبرج ظفار بثوبها القشيب وألوانها الزاهية وتتلحف بالضباب ويتغشها الرذاذ الأخّاذ بنسماته ، متخللا أوراق الشجر ورؤؤس الهضاب ، على أنغام الموسيقى الشرقية وليالي مهرجان صلاله الصاخب
إذ أن التاسع عشر من أغسطس لهذا العام كان مختلفا ومميزا عن كل أيام أغسطس الماطرة ليس للكاتب العماني سالم ألكثيري فحسب بل ولكل عمان ومثقفيها وكتابها وقراءها ، ففي هذا اليوم توقف التاريخ في عمان ليسجل على صفحاته ملحمة التدافع بين النور والظلام ، وبين الحق والباطل ، وبين حرية التعبير وتكميم الأفواه ، ملحمة دارت رحاها تحت زخات رذاذ الخريف ونسماته ، وعلى تراب ظفار الطاهر
ففي هذا اليوم تعرض الكاتب العماني سالم الكثيري الذي تجرأ وكسر قاعدة الصمت الرهيب وانتقد مؤسسة حكومية أدمنت الاستهتار بحقوق العمال البسطاء وأمعنت في التعنت وغض الطرف عن انتهاكات خطيرة لحقوقهم ، وصمت آذانها عن ضجيج الشكاوى وضربت بها عرض الحائط ، بل وأقدمت على تفاهمات من تحت الطاولة مع الشركة التى تدير ميناء صلاله لتخفيض أجور العمال حتى يتساووا مع غيرهم من العمال المسحوقين في شركات الهوامير.
هوامير يجنون ملايين الريالات من عرق العمال والبسطاء ثم يرمون لهم بفتات يسمى راتب !! قدرته لهم وزارة القوى العاملة
صرخات وأنّات العمال الذين وجدوا أنفسهم بين خيارين أحلاهما مر إما القبول بساعات عمل تمتد إلى 12 ساعة وبرواتب متدنية جدا أملته عليهم تفاهمات وزارة القوى العاملة مع الشركة المعنية أو الاستقالة والإقالة ومجابهة التزامات ماليه و أسرية وقروض بنكية لا طاقة لهم بها خاصة أن البلاد تعاني من شح في الوظائف ، و العاطلون عن العمل يتسكعون بالألف على الارصفه
صرخات العمال البسطاء وصلت إلى الكاتب العماني سالم ألكثيري فشحذ قلما يتقاطر من فيه مداد الوطنية معبرا بحس إنسان ووطني عال ، عن حالة اجتماعية عمالية مزرية أصبحت حديث الشارع وزاد الركبان ، ظانا وبحسن نية أن وزارة القوى العاملة ستستصرخ لعمال ميناء صلاله وترفع عنهم الضيم والغبن ، إلا أن هبة الوزارة كانت في الاتجاه المعاكس على غير ما أراد أو ظن أخونا الكاتب ، ليجد نفسه في مواجهة الاتهام والتحقيق وعلى مشارف قضية قد ترمي به خلف قضبان الحديد لأجال لا يعلم مداها إلا الله ، وعلى طاولة التحقيق واجه الكاتب سالم ألكثيري دعوى وزارة القوى العاملة ، ولم يخلصه من دهاليز التحقيق وقضبان الحديد إلا كفالة أخيه وتسليم أوراقه الثبوتية (جواز السفر والبطاقة الشخصية) لجهات التحقيق لينال حريته إلى حين ،
وظني أن إقدام الوزارة على رفع تلك الشكوى ما كنت لتتم دون ايعاز من الوزير نفسه الذي يفترض فيه أن يكون احرص من غيره على ترجمة الكلمة السامية لصاحب الجلالة السلطان قابوس (لن نسمح بمصادرة الفكر) تلك الكلمة التي ألقاها السلطان في اكبر صرح علمي في سلطنة عمان وبين أساتذة ألجامعه وطلابها المتميزين ورجال الدولة ووزراءها
إلا انه من الواضح أن البعض لم يستوعب خطاب السلطان روحا ومعنا، وعجز عن التكيف مع مقتضيات العصر وما أفرزته ثورة المعلومات وتقارب الحضارات والشعوب وتلاقح أفكار بني البشر ، فضلت رؤاهم قاصرة ومحصورة في ما ألفوه وورثوه من عصور الظلام والدكتاتورية ، ليحتدم الصراع في نفوسهم بين ماض التسلط والدكتاتورية والتمرد والتعالي على الآخرين ، وبين توجيهات السلطان وسعيه لإقامة دولة حضارية متقدمة تنسجم مع العصر وأدبياته ، فكان لنزعة التسلط والجبروت والدكتاتورية أللغلبة في صراع غير متكافئ في شكله ومضمونه
لتُرفع التحقيقات وملف القضية إلى الادعاء العام بصلاله لاستكمال التحقيق وجرجرت الكاتب في اروقة المحاكم ، والوزارة تمنّى نفسها أن ترى الكاتب خلف قضبان الحديد والأغلال راسخة في يديه ورجليه ، حتى يكون عبرة لكل من تسول له نفسه قول كلمة حق أو تحدثه بكشف بؤر الفساد والظلم ومجابهة الدكتاتورية ولو بشطر كلمة
إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي وزارة القوى العاملة فقرر الادعاء العام بصلاله حفظ القضية ربما إلى حين ، ولكنها تبقى وقفة مشرفة لرجال العدالة و القانون ونكسة لأعداء الحرية ودعاة الظلام والكبت وتكميم الأفواه ، ورسالة تنبئ كل ذي عينين أن تكميم الافواه والتسلط والكبت وخنق الحريات لم يعد مقبولا ولن يتم السكوت عليه ، وان عمان ارضا خصبة برجال شرفاء لا تأخذهم في الحق والصدع به وتطبيقه على ارض الواقع لومة لائم حتى لو كان من علية القوم ومن ذوى الجاه والمكانة
نبارك للكاتب العماني سالم ألكثيري نصرة الحق
وندعوه إلى إبقاء قلمه مشرعا في وجه الفاسدين والمفسدين
خدمة للحق والحقيقة والوطن وحرية التعبير