بدات القاهرة باستقبال وفود من الفصائل الفلسطينية (الجهاد، جبهة ديمقراطية، جبهة شعبية) ويصل اليها لاحقا وفود من حماس وفتح في اطار الدعوة المصرية لاجراء حوار وطني لانهاء حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية. وبالرغم من الجهود المصرية لاعادة نوع من الوحدة والتنسيق بين الفصائل وانهاء حالة الانقسام التي ترتبت على انقلاب حماس وسيطرتها على قطاع غزة، الا ان هذه الجهود لا يتوقع لها النجاح، مثلها مثل الجهود والاتفاقات السابقة التي تمت برعاية عربية، مثل اتفاق مكة ، والمبادرة اليمنية، التي اقرتها قمة دمشق. وبالرغم من ان التبوء بفشل الحوار المرتقب من التوصل الى نتائج واقعية وفعلية لانهاء الانقسام قد يدخله البعض في اطار التشاؤم، او في اطار التحريض ضد الوحدة، وقد يذهب البعض الى اتهام اصحاب التوقعات بفشل الحوار بالعمالة لامريكا والصهيونية الى اخره، الا ان ذلك يفترض الا يحول دون محاولة تسليط الضوء على الصورة الواقعية والحقيقية لما يجري ، حتى لا يتغلغل الوهم الى النفوس، ومن ثم تصاب بالاحباط، بعد ان تفاجأ بان كل ما يقال من كلام يحمل نوايا طيبة ونبيلة ليس هو اكثر من مجرد ” كلام فارغ” ليس له أي وزن في ما يجري على الارض بالفعل. فالواقع يقول ان كل فصيل من الفصائل التي ستذهب للقاهرة يحمل اجندته الخاصة، ومطالبه الخاصة، لتحقيق مصالح خاصة، وهناك تباين هائل بين هذه الاجندات، وتلك المصالح. ففي ما يتعلق بالشعبية فان موقفها وان كان يحاول التوازن وكانها مجرد وسيط، لكن التناقض يخيم عليه وتبدو الامور غير واضحة. ففي الوقت الذي يؤكد فيه د.رباح مهنا عضو اللجنة المركزية للجبهة “ان الجبهة الشعبية توافقت مع حركة حماس على أجندة الحوار”. يقول في نفس التصريح الصحفي ” أن أجندة الجبهة في هذه الحوارات تتمركز في انهاء حالة الانقسام وبحث كل الخطوات المهيئة له ووقف المناكفات بين حماس وفتح وايجاد حكومة ائتلاف توافقية تحضر لانتخابات رئاسية وتشريعية على أساس نسبي”. وهذا ما ينفيه ، نائب رئيس الكتلة البرلمانية في حماس يحيى موسى بقوله “إن قطبي الخلاف في الساحة الفلسطينية هما فتح وحماس «ولا نقبل أن تختفي فتح خلف يافطات (لافتات) حركات أخرى». وفي قول د. مهنا عدم وضوح لما يعنيه بالتوافق مع حماس على الاجندة، فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا وماذا عن التوافق مع فتح؟؟ . بالاضافة لذلك اذا كانت حماس وافقت على الاجندة المذكورة انفا في تصريح مهنا، اذن لا داعي للذهاب للقاهرة، لان الديمقراطية والجهاد وفتح لديهم نفس الاجندة تقريبا. لكن كل ما يصدر عن حماس ان اقولا او افعالا يقول غير ذلك، فهي فهي على الاقل تعارض بشدة حكومة توافقية ، تحضر لانتخابات على اساس نسبي. فحماس لا يهمها كثيرا ان تشارك الجبهة او الديمقراطية ببعض الوزراء المحللين في حكومة توافقية، لكنها لا تقبل بغير سيطرتها على الحكومة على اساس التوازنات في المجلس التشريعي. اما اجندة الجبهة الديمقراطية فقد كانت واضحة تماما وقد اعلنتها ونشرتها في الكثير من وسائل الاعلام تحت عنوان : رد الجبهة الديمقراطية على “استفسارات الدعوة المصرية”. وهو رد يتعارض بشدة مع مواقف ومطالب حماس. وقالت الديمقراطية في ردها إن الحالة المأساوية التي يعيشها الوطن والشعب، تتطلب توافقات أولية كنقطة إنطلاق للحوار الوطني الشامل، وفي هذا السياق نقترح ابرام التوافقات التالية: 1 – تشكيل حكومة انتقالية من شخصيات وطنية مستقلة فعلاً، تتولى ادارة الشأن الداخلي في الضفة والقدس وقطاع غزة، واعادة توحيد المؤسسة الرسمية للسلطة، والتحضير لاجراء انتخابات جديدة. 2 – اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وفق نظام التمثيل النسبي الكامل، في مدى زمني لا يتجاوز تسعة شهور منذ بدء الحوار الشامل. 3 – ترتيبات أمنية انتقالية لضمان نزاهة العملية الانتخابية على طريق اعادة بناء الأجهزة الأمنية على أُسس وطنية ومهنية بمساعدة عربية. 4 – تجري الانتخابات الرئاسية والتشريعية بالتزامن مع انتخابات حرّة لأعضاء المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير داخل الوطن على اساس التمثيل النسبي الكامل، كما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني كخطوة على طريق استكمال الانتخابات حيثما امكن في اقطار اللجوء والشتات، وإرساء القاعدة لتطبيق استحقاق اتفاق القاهرة (مارس 2005) ووثيقة الوفاق الوطني (يونيو 2006) باعادة بناء مؤسسات م.ت.ف. على أسس ديمقراطية وحدوية بمشاركة كافة الوان الطيف السياسي الفلسطيني. وتحضيراً لذلك؛ ندعو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الى الاسراع في اقرار قانون الانتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني في الوطن والشتات، وفقاً لنظام التمثيل النسبي الكامل. 5 – وقف حملات التحريض المتبادل؛ فعنف الكلمة والخطاب البوابة المفتوحة لإنتاج العنف الدموي والإقتتال وتعميق الانقسام. 6 – اطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين على الجانبين بين حماس وفتح، وتحريم الاعتقال السياسي، وتشكيل لجنة وطنية من الفصائل ومن شخصيات وطنية للاشراف على هذه العملية. ولا يمكن ان توافق حماس على أي من هذه المقترحات ، فهي تعتبر حكومة هنية هي الحكومة الشرعية ولا تنازل عن ذلك، وبالتالي فانها ترفض تشكيل حكومة انتقالية لا تسيطر عليها، كما انها ترفض اجراء الانتخابات على اساس نظام التمثيل النسبي ، لانها تعرف مسبقا انها وفق هذا النظام فلن تتحصل على اكثر من 25 بالمائة من الاصوات، وسوف تظهر على حقيقتها وبحجمها الطبيعي. كما ان حماس ترفض بشدة أي ترتيبات امنية تنهي
سيطرة مليشياتها “القوة التنفيذية” على الاوضاع بغزة، كما انها ضد احياء مؤسسات منظمة التحرير وتعتبر المنظمة كيان “ميت” وانتهى زمنها، وان المرجعية الوطنية هي المجلس التشريعي الذي تسيطر عليه. اما البندين (5 و 6 ) فانها لا تمانع بان يكون هناك تفاهمات حولهما كونهما يثبتان اركان سلطتها في امارة غزة. اما فتح التي ترفض لقاء هنية بصفته رئيس وزراء فانها ستذهب الى القاهرة باجندة محددة عبر عن عناصرها الرئيسية اكثر من مسؤول فتحاوي كان ابرزهم نبيل عمرو في تصريحه لصحيفة الحياة اللندنية، حيث وصف حماس ب “الخارجة عن القانون” وشدد على أن قبول السلطة الوطنية الحوار مع حماس لا يعني مسامحتها على جرائمها التي ارتكبتها على مدار إنقلابها وقال ‘حماس تكون غارقة في الوهم حتى أذنيها إذا جاءت إلى الحوار بفكرة أن هذه الصفحة طويت وأنها ستقبض ثمن انقلابها’، وأضاف ‘لن نمكّنها من ذلك بل يجب أن تدفع ثمن ذلك. وعن شروط المصالحة مع حماس، قال أولاً التراجع عن الانقلاب، وثانيا تسليم جميع مقار السلطة إما لسلطة الرئيس محمود عباس أو لجهة عربية، وثالثاً الإفصاح عن كل الدخل المادي مع التوقف عن أخذ أموال الشعب الفلسطيني وإخفائها في السراديب’. ولفت عمرو إلى إمكان إدراج بناء منظمة التحرير وإصلاحها في بنود الحوار، وقال ‘يمكن أن تبحث، لكنها ليست شرطاً للتوصل إلى اتفاق وطني… بالإمكان أن نتفق على انتخابات جديدة وعلى حكومة توافقية وعلى ترتيب أوضاع الضفة وغزة، وبعد ذلك يمكن الاتفاق على إصلاح منظمة التحرير’، مشيراً إلى أنها عملية جارية ومستمرة، وشدد على ضرورة إنهاء الأزمة الداخلية التي هي على رأس جدول الحوار. اما حماس فانها ترفض بشدة أن تمثل منظمة التحرير الفلسطينية في أي حوار وطني يهدف الى وضع حدٍّ للانقسام الفلسطيني. وقال الدكتور يحيى موسى، نائب رئيس الكتلة البرلمانية إن منظمة التحرير «جسم ميت عفى عنه الزمن، واعادة بنائه على أسس جديدة مادة رئيسية للحوار، وبالتالي لا يمكن أن نقبل أن يمثل هذا الجسم في الحوار». ومن خلال هذه التناقضات الواسعة بين برامج القوى والفصائل الفلسطينية، يبرز حجم التناقضات بين المصالح ، ففيما ترفض فصائل اليسار (شعبية وديمقراطية) نظام المحاصصة الذي تم بين فتح وحماس، فان الخلاف الرئيسي بي حماس وفتح يتمركز حول توزيع الحصص فيما بينهما. وقد عبرت الجبهة الديمقراطية بوضوح عن رفض نظام المحاصصة في ردها على دعوة الحكومة المصرية للحوار بقولها ” … وعليه نرفض حوار الصفقات الثنائية أو الأحادية الاحتكارية، والاقصائية المدمّرة للوحدة الوطنية، الشرط الاول والأساسي للخلاص من الاحتلال وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وحق شعبنا بتقرير المصير والعودة”. اما صالح زيدان، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، فقد اتهم البعض بمحاولة إثقال الحوار بالعديد من الاشتراطات التي تؤثر على فرص انطلاقه ونجاحه. وقال «لأول وهلة هناك كل المقومات التي تكفل نجاح الحوار، على اعتبار أن هناك وثائق متفق عليها من قبل فتح وحماس مثل مبادرة الحوار الوطني وإعلان القاهرة، وهذه وثائق تصلح أساساً للشروع في حوار». واتهم زيدان حماس بالتسويف انتظاراً لتحسين مكانتها في الحوار. واضاف زيدان ان ابو مازن وقيادة فتح تتعرض لضغوط اميركية اسرائيلية لثنيها عن الشروع في الحوار. واكد زيدان أن الجهود التي تبذل لدفع الحوار الوطني قدماً لن يُكتبَ لها النجاحُ إلا في حال قناعة الرئيس ابو مازن بعقم الرهان على المفاوضات مع اسرائيل التي مثلت غطاءً لتعاظم المشاريع الاستيطانية، وقناعة قيادة حركة حماس بأن الاتفاقات الامنية ممثلة في اتفاق التهدئة مع اسرائيل الذي لا يشمل الضفة الغربية، لا يمكن ان يمثل انجازاً للشعب الفلسطيني. وبالاضافة الى تلك الشروخ فهناك الخلافات الجوهرية في الساحة الفلسطينية حول البرنامج السياسي، ففي الوقت الذي تؤكد السلطة الفلسطينية ومن ورائها فتح على ان المحادثات السياسية مع الكيان الاسرائيلي مسالة لا عودة عنها ، وتعتبرها الوسيلة الاساسية لاستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، فان حركة حماس تعتبر المفاوضات تؤدي الى التفريط بالقضية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، بينما تقف كل من الشعبية والديمقراطية في المنتصف تبدي ملاحظة هنا واخرى هناك. لكل ما سبق فان توقع فشل حوارات القاهرة امرا منطقيا ومقبولا، وهناك الكثير من المسؤولين في مختلف الفصائل لا يبدون تفاؤلا كبيرا في نجاح الحوار، وهذا ما عبر عنه الدكتور الزهار مؤخرا، وهذا السبب الحقيقي وراء الفتور وعدم الحماس الظاهر من قبل حماس وفتح للحوار. وكم نأمل لو ان الامور ليست كما هي عليه، وكان هناك حدودا دنيا للقاء الفرقاء، لكننا مجبرين على ذكر الحقائق حتى لا يقع الناس في الوهم والتفاؤل غير المنطقي، والذي ستكون نتائجه وخيمة على المعنويات الشعبية الفلسطينية، بمزيد من الانكسار والتشكيك. قالت اعلامية فلسطينية في تعبير لها عن تشاؤمها “مطلوب الخلاص من فتح وحماس، ولما سالتها واذا تحقق ذلك فمن سياتي غيرهما ، قالت اسرائيل واضافت نعم نريد عودة الاحتلال ارحم مما نحن فيه”. وهنا الخطورة الكبرى الذي يبدو ان الفصائل لا تعيرها ادنى اهتمام ، فالياس يتسلل الى نفوس الجماهير الفلسطينية ، واذا ما تمكن منها ففعلا لن يبقى هناك فتح او حماس او سلطة او حقوق وطنية.
ابراهيم علاء الدين
[email protected]