من الوقاحة أن يحاول بعض الممولين وضع شروط تنال من قيمنا ومثلنا، وتمس بما نؤمن بأنه تراث ثوري وطني.. ومن المخجل حقا أن يستجيب البعض منا لمثل هكذا شروط .. حدث ذلك في العام 2004 حيث انه وأثناء التحضيرات لإقامة المخيمات الصيفية.. فوجئت إحدى اللجان المركزة بمطلب غريب تقدمت به الجهة الممولة، وهو مطلب يحمل في طياته أبعادا خطيرة تتعلق بنوع الثقافة التي من المفترض غرسها لدى الأطفال، ويراد تربيتهم على أساسها، حيث أصرت الجهة الممولة للمخيمات على رفض تسمية المخيمات بأسماء الشهداء الفلسطينيين، وأمرت كذلك بعدم السماح بتعليق صور أولئك الشهداء على جدران المخيم.. وكانت المصيبة حينها أن منظمي بعض المخيمات قد وافقوا على اشتراطات الممول، واستجابوا لتوجيهاته، كي لا يخسروا فرصة الحصول على تمويل لمخيماتهم.. وقد كانت تبريرات الممول حينها انه يريد تعميق وزرع ثقافة السلام والتسامح، ولا يريد إشاعة ثقافة العنف لدى الأجيال الصاعدة.. وهو ينظر إلى أسماء وصور الشهداء كأدوات ورموز تشجع على العنف.. واذكر أنا حادثة أخرى أكثر وقاحة– حين اشمأزت المندوبة الفلسطينية لإحدى مؤسسات التمويل– أثناء افتتاحها لأحد المشاريع، من تعليق صورة الطفل الفلسطيني الشهيد فارس عودة، وهو يلقي بحجر على دبابة إسرائيلية تكاد تسحقه، حيث قالت تلك المندوبة الفلسطينية: الم تجدوا غير هذه الصورة لتعليقها..؟؟ ألا تعرفوا أن المؤسسة الممولة ترفض مثل هكذا رموز تحض على العنف..؟؟ ألا تعتقدون أنكم تغامرون بخسارة فرص التمويل التي قد تأتي لكم مستقبلا..؟؟ وحينها أجابها احد الشبان: يبدو انك قد تخليت عن هويتك الفلسطينية، ويبدو انك مصابة بعمى ألوان..!! فمن هو العنيف.. اهو فارس عودة الطفل البريء..؟؟ أم هو الدبابة الإسرائيلية المدججة بالسلاح التي تهاجمه لتسحقه..؟؟
لكن يبدو أن الصورة في العام 2008 قد انقلبت، فلم يكتف ممولي المخيمات الصيفية برفض تسمية المخيمات بأسماء الشهداء وتعليق صورهم، بل وبوقاحة اكبر تجرا البعض منهم على المطالبة بطباعة صور توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق– الذي كان معرفا عنه انه منحاز ومتعاطف جدا مع المحتلين الإسرائيليين– وذلك على قمصان وقرطاسية الأطفال في بعض المخيمات الصيفية—وكان من حسن حظ أطفالنا انه لم يتوفر التمويل لذلك المشروع ولم يتم ارتداء صور بلير– والبعض الآخر أصر على طباعة اسم المؤسسة الأمريكية أل ( USAID ) الشهيرة بعدائها للكفاح الوطني الفلسطيني والتي تصر على اعتبار حتى الشكل السلمي منه شكلا من أشكال الإرهاب..
صحيح أن معالي وزيرة التربية والتعليم الفلسطينية– السيدة لميس العلمي– لا تتحمل مسئولية ما كان يحدث قبل استلامها لحقيبة الوزارة.. لكنها من المؤكد قادرة وهي في منصبها على التأثير على نوع الثقافة التي من الممكن أن تسود بين صفوف أبناءنا الطلبة.. وإننا نعطي لنفسنا الحق لنسال معالي الوزيرة – أي ثقافة يا لميس نريد أن نزرع..؟؟ فمن غير المعقول ولا المقبول أن تغطي صور أبطال المسلسل التركي ( نور ومهند )، أغلفة الدفاتر وجلود الكتب وحقائب المدارس لأطفالنا.. لان من شان ذلك إبعاد الناس عن واقعهم وشد اهتمامهم، بعيدا عن قضاياهم الوطنية والمعيشية، والتشجيع على سلوكيات لا تتفق مع عاداتنا وتقاليدنا، وغرس ثقافة غريبة عن ثقافتنا الوطنية– لا تتفق مع ما يجب أن ننميه من ثقافة المقاومة والصمود، والارتباط بالواقع لا التحليق بالخيال.. وجعل مهند ونور رموزا لأطفالنا بدلا من شهدائنا العظام.
مخيم الفارعة – 25/8/2008