مع تصاعد حمى اقتراب الانتخابات ، وهي لعبة من اسذج اللعب ، ومقامرة من اغبى المقامرات ، وضحك على ذقون الشعب من اصلف انواع الضحك ، ابتدأ موسم انشطار الكيانات السياسية ، وتأسيس كيانات جديدة ، وبدأت معه لعبة العم سام سابقاً والعم بوش حالياً في خلط الاوراق ، بأحراق ما انتهت صلاحية خدمتها ، وطرح ما أعدت للمرحلة الآتية غيرها ، وفي تضبيب الرؤية امام المواطن البسيط كي يلقى نفسه بين خيارين احلاهما مر : اما البقاء غريقاً في يم الكيانات التي انتصر لها في انتخابات سابقة وخذلته ايما خذلان وفجعته ايما فجيعة ، او عقد آمال واهية يائس هو منها سلفاً على الكيانات الجديدة التي التقت بها الاضداد ، فالعقائدي تطامن مع المرابي ، والليبرالي تعاهد مع افعى ديكتاتورية ملساء، والاشتراكي تحالف مع الرأسمالي ، والديني تواشج مع العلماني .
والمراقب الحصيف المنصف يلاحظ دونما عناء هجنة وخواء الكيانات الجديدة واجترارها لشعارات تستدر السخرية على أصحابها بدل ان تستميل الناس ناحيتهم ، واصحابها واحد خارج من ثبات ايديولوجي الى (لملوم) متضادات حالماً بأن يدر عليه ضرع بقرة المتضادات لبن اصوات ناخبة اكثر بعد ان يئس من كثرتها التي تؤهله لركوب ظهر السياسة الأعلى ضمن مكونه (العقائدي الاول) الذي غادر جب العقيدة وتهالك على سنام السلطة ، وآخر تمطى على السياسة كما لو كانت فرسه (سلطان) في سباق الخيل ، وثالث ما زال يعتقد ان السياسة حقل دواجن كلما افرط في علفها كلما باضت اكثر وسمنت ، ورابع يطلع من جلد (الحرامي والقرصان والفاسد على رؤوس الاشهاد) ليدخل منقذاً للبلاد والعباد في زمن عز به المنقذون وتكاثر البوشيون انشطاراً اميبياً .
وهؤلاء جميعاً ليسوا سذجاً ، ولا اغبياء ، انما هم دهاة حاذقون ، وصيارفة بارعون ، حالهم حال التاجر اليهودي الذي يبيع بضاعته بسعر الكلفة ولا يربح سوى ثمن كيس ما يبيع حتى يطيح بأقرانه وأنداده ويستوي على السوق سيداً وحده ليفتك بالجميع وقتما يشاء وكيفما يشاء.
ويقع في وهم كبير من يظن ان هذه الطبخات تعد خارج المطبخ الامريكي الانكلو صهيوني ، وبعيداً عن وصفات السي آي ايه وأصابع البيت الابيض وأفران البنتاغون ومقانق وتوابل المحافل السرية ، وسحريات الآنسة المصون كوندي.
بعض الكيانات الجديدة ليست اكثر من جرعات احتلالية بأوراق لعب جديدة بعد ان استنفدت الاوراق العتيقة جميع ما عهد بتنفيذه اليها ، وسيجد مواطنونا انفسهم وسط دوامات عاصفة حول اختلافات وهمية تعج بها وسائل الاعلام ليل نهار على انها حقائق على الارض وهي في جوهرها ليست اكثر من تمثيل على خشبة مسرح السياسة تحت الاحتلال يحركه من خلف الستار مخرج من واشنطن .
وواشنطن ، بؤرة مافيات استعباد الانسان وسحق انسانيته ، لاتحترم عملاءها ، ولا اللاهثين وراء اعطياتها ، او الماسحين الغبار عن اكتافها ولا الراقصين على حلباتها ، وسرعان ما تقلب لهم ظهر المجن ، وتلقيهم في سلال المهملات غير آسفة عليهم ، وتستبدلهم بغيرهم كما تستبدل البغي الرجال على سرير فجورها .
ومصير الساسة الناقرين على الدف الاحتلالي الامريكي وعلاقتهم بالبغي الشمطاء واشنطن كمصير الجارية غادرا والخليفة الهادي .
روى ثقاة التاريخ ان الخليفة العباسي الهادي كان مغرماً بجارية تدعى غادرا، وكانت من أحسن قريناتها وجهاً وأطيبهن غناء، اشتراها بعشرة الاف دينار ، فبينما هو يشرب ذات يوم مع ندمائه اذ فكر ساعة ، وتغير لونه ، وقطع الشراب ، فقيل له (مابال أمير المؤمنين) قال( وقع في فكري ان اموت ، وان اخي هارون يلي الخلافة ويتزوج غادرا، فأمضوا اليه وآتوني برأسه ، ثم رجع عن ذلك وأمر بأحضاره وحكى له ما خطر بباله ، فجعل هارون يترفق به ، فلم يقنع بذلك وقال (لا ارضى حتى تحلف لي بكل ما احلفك به ، انني اذا مت لا تتزوج بها) فرضي بذلك وحلف ايماناً عظيمة ، ثم قام ودخل الى الجارية وحلفها ايضاً على مثل ذلك ، فلم يلبث بعد ذلك شهراً حتى مات ، وولى هارون الخلافة ، وطلب الجارية ، وتزوج بها ووقعت في قلبه موقعاً عظيماً ، وأفتتن بها أعظم من أخيه الهادي ، حتى انها كانت تسكر وتنام في حجره ، فلا تزال نائمة في حجره حتى تنتبه ، وبينما هي ذات ليلة في حجره ، انتبهت فزعة هلعة ، فقال لها (مابالك فديتك؟) فقالت(رأيت أخاك الهادي الساعة في المنام منشداً:
أخلفت وعدي بعد ما
جاورت سكان المقابر
ونسيتني وحنث في
أيمانك الكذب الفواجر
ونكحت غادرة أخي
صدق الذي سماك غادر
لايهنك الالف الجديد
ولا تدر عنك الدوائر
ولحقتني قبل الصباح
وصرت حيث غدوت صائر)
ثم اضطربت بين يديه وماتت ، ولا تسأل عما لحق هارون بعدها .