عندما غزت الولايات المتحدة الأمريكية العراق وتحالفت مها كل قوى الشر، اغلب دول المعسكر الغربي، وكلنا نتذكر تصريح بوش القذر العنصري “إننا سنعيدها حربا صليبية” بالتأكيد كان يعي ويقصد ما يقول، ومن خلال تتبع بسيط لمجريات الأحداث منذ ذلك العدوان إلى الوقت الحاضر يمكن ملاحظة النوايا التي تبييتها أمريكا من غزوها المشئوم هذا، ولتبسيط أكثر فإنها استهدفت الإسلام ونفذت ذلك عن طريق محاولاتها لتدمير القومية العربية، ذلك لان العرب هم مادة الإسلام وعموده الفقري.
ومن المؤكد إنها استفادة من حليفتها الإستراتيجية بريطانيا وتجربتها في العراق، وبغرورها الفظ ّ تصورت أمريكا إنها ستغير النتائج مع تغير بسيط في السيناريو، فمع دخول الانكليز إلى بغداد أعلن الجنرال مود إنهم جاءوا محررين لا فاتحين، وهذا ما قاله بوش ومسلسل الأحداث معروف لأننا جميعا عشناه، وكثيرا ما ردده أذناب الاحتلال حتى أصابنا الإعياء مللا من سماعه، انتهاءا بآخر قرار لمجلس الشيوخ الأمريكي، القاضي بتقسيم العراق ” لا سامح الله “.
ولتخرج أمريكا من مأزقها في العراق تحاول اليوم أن تعيد لعبة بريطانيا في العراق بالتقسيم، فسنحاول هنا تسليط الضوء على اسلوب اتبعته وزارة المستعمرات البريطانية من خلال المندوب السامي البريطاني في بغداد، لاجبار الملك فيصل الاول والحكومة العراقية، والمجلس التأسيسي العراقي على قبول شروطها المرفوضة التي ارادت بريطانيا من خلالها تثبيت وجودها في العراق كقوة اجنبية دائمة، بينما كانت النخبة السياسية العراقية آنذاك بقيادة الملك فيصل الاول تعمل على وضع أسس الدولة العراقية المعاصرة ” وهنا ننوه إلى دور المقاومة الوطنية في الحفاظ على وحدة العراق في الوقت الذي تعمل أدوات الاحتلال الأمريكي بكل قوة من اجل تفتيت العراق “.
لقد نصت المادة الاولى من لائحة الانتداب البريطاني على العراق الذي فرضته عصبة الأمم في 25 نيسان 1920 على إن الدولة المنتدبة ستضع في وقت لا يتجاوز ثلاث سنوات من تاريخ تنفيذ الانتداب، دستورا للعراق يتم إعداده وتشريعه بمشورة الحكومة العراقية الوطنية، وان يحتوي الدستور على مواد تسهل تدرج العراق ورقيه كدولة مستقلة، ونصت المادتان الثانية والثالثة على السماح للدولة المنتدبة بالاحتفاظ بقوة عسكرية في العراق وإدارة علاقاته الخارجية.
اعتبرت الحركة الوطنية في العراق الانتداب وجها جديدا من وجوه الاستعمار وقناعا له بعد أن فضحت معاهدة سايكس – بيكو نوايا الحلفاء المتناقضة مع وعودهم المعلنة إلى قيادة الثورة العربية الكبرى بقيام دولة عربية مستقلة تشمل كل المشرق العربي،” الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق ” لذلك أعلنت الحركة الوطنية في بغداد ومدن العراق المقدسة وغيرها من المدن العراقية الرئيسية، رفضها للانتداب وطالبت بعقد مؤتمر عراقي عام منتخب يقرر شكل الحكم والحاكم في العراق، “وشتان بين موقف رجال الدين بالأمس وموقفهم اليوم – ونقصد هنا القسم من رجال الدين الذين يعتبرون أنفسهم مرجعيات لغالبية العراقيين ” وقد نشرت جريدة العراق البغدادية في 3 حزيران 1920 مطالب الحركة الوطنية، التي جرى عليها الاستفتاء 1918 / 1919 بتشكيل حكومة وطنية في العراق يرأسها الأمير فيصل احد أنجال الشريف حسين ” ومن بين أهم الأسباب التي دعت إلى هذا الاختيار كونه معروف بمواقفه الوطنية ومن أصل عربي يعود إلى الرسول الكريم (ص) ومن القادة المشاركين في الثورة العربية الكبرى “.
عندما استجابت بريطانيا لمطالب الحركة الوطنية العراقية وعموم النخبة السياسية العراقية بتنصيب الأمير فيصل بن الحسين ملكا على العراق في 23 آب 1921، أعلن حال توليه العرش رفضه للانتداب البريطاني، وطالب أن تكون العلاقات بين بريطانيا والعراق بشكل معاهدة بين دولتين مستقلتين تراعي كل منهما مصلحة الأخرى، وان تكون المعاهدة بديلا للانتداب، بينما ارادت بريطانيا من المعاهدة وسيلة لتطبيق الانتداب الذي سعت بواسطته إلى تثبيت سلطتها وهيمنتها على السلطة الوطنية العراقية، ولذلك صبّت بنود الانتداب في بنود المعاهدة، مما أدى إلى إطالة أمد المباحثات ورفض الملك فيصل الاول لها ما لم تنص المعاهدة على إلغاء الانتداب.
لقد رفض الملك فيصل الاول توقيع المعاهدة رغم موافقة الوزارة العراقية عليها، والتي جاءت موافقتها نتيجة للضغوط البريطانية مما أدى إلى استقالة بعض الوزراء، فاتبعت بريطانيا وسائل عديدة لإجبار الملك فيصل على توقيع المعاهدة بعد أن استقالت الوزارة العراقية بأكملها لأنها اعتبرت عدم توقيع الملك على المعاهدة بعد موافقتها عليها سحبا للثقة منها.
إن موقف الملك فيصل الاول الحازم هذا قد دفع وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل إلى استخدام وسائل التهديد والضغط على الملك لإجباره على توقيع المعاهدة، فقد طلب من المندوب السامي البريطاني ببغداد، برسي كوكس في 30 آب 1922، أن يخبر الملك فيصل إن رفضه التعاون مع بريطانيا سيؤدي على ال
أرجح إلى تغيير كامل في السياسة البريطانية تجاه العرب، وان يخبره أيضا إن بريطانيا في وضع صعب في الوقت الحاضر بسبب المصروفات الكبيرة التي تنفقها لمنع ابن سعود من الهجوم على الحجاز، وأضاف ” إننا إذا رفعنا يدنا عن هذه المناطق، وهو ما سنقوم به، فان فيصل سيسقط مرة ثانية وسيحطم عائلته أيضا “، وكان تشرشل يقصد بهذا التهديد التخلي عن الشريف حسين في الحجاز أمام تهديدات آل سعود، وهو ما فعلوه فعلا فيما بعد، لإسقاط عرش فيصل في العراق، ولم يكتفي البريطانيون بهذا التهديد بل واجهوا الملك فيصل وبشكل عملي بالتهديد فعليا بتجزئة العراق لكي تتجمع مع العوامل الضاغطة الأخرى وتجبر الملك فيصل على توقيع المعاهدة، كما طلب تشرشل من برسي كوكس سحب القوات البريطانية من المناطق الكردية في شمال العراق، والسماح بقيام حركة تمرد كردية، وهذا يعني خلق مشكلة جديدة للعراق بعد أن قامت السلطات البريطانية بإرجاع الشيخ محمود البرزنجي إلى العراق، بعد تتويج فيصل ملكا بحجة انه سيتعاون مع الحكومة العراقية للوقوف بوجه الأتراك الذين كانوا يطالبون بولاية الموصل ” التي تشمل المناطق الكردية بالإضافة إلى الموصل “، إلا إن الشيخ محمود أعلن نفسه ملكا على كردستان وبدأ بالتعاون مع الأتراك، وفي الوقت الذي كانت قضية الانتداب تشغل بال العراق، وهو نفس ما فعله الأمريكان اليوم في الشمال.
أرجح إلى تغيير كامل في السياسة البريطانية تجاه العرب، وان يخبره أيضا إن بريطانيا في وضع صعب في الوقت الحاضر بسبب المصروفات الكبيرة التي تنفقها لمنع ابن سعود من الهجوم على الحجاز، وأضاف ” إننا إذا رفعنا يدنا عن هذه المناطق، وهو ما سنقوم به، فان فيصل سيسقط مرة ثانية وسيحطم عائلته أيضا “، وكان تشرشل يقصد بهذا التهديد التخلي عن الشريف حسين في الحجاز أمام تهديدات آل سعود، وهو ما فعلوه فعلا فيما بعد، لإسقاط عرش فيصل في العراق، ولم يكتفي البريطانيون بهذا التهديد بل واجهوا الملك فيصل وبشكل عملي بالتهديد فعليا بتجزئة العراق لكي تتجمع مع العوامل الضاغطة الأخرى وتجبر الملك فيصل على توقيع المعاهدة، كما طلب تشرشل من برسي كوكس سحب القوات البريطانية من المناطق الكردية في شمال العراق، والسماح بقيام حركة تمرد كردية، وهذا يعني خلق مشكلة جديدة للعراق بعد أن قامت السلطات البريطانية بإرجاع الشيخ محمود البرزنجي إلى العراق، بعد تتويج فيصل ملكا بحجة انه سيتعاون مع الحكومة العراقية للوقوف بوجه الأتراك الذين كانوا يطالبون بولاية الموصل ” التي تشمل المناطق الكردية بالإضافة إلى الموصل “، إلا إن الشيخ محمود أعلن نفسه ملكا على كردستان وبدأ بالتعاون مع الأتراك، وفي الوقت الذي كانت قضية الانتداب تشغل بال العراق، وهو نفس ما فعله الأمريكان اليوم في الشمال.
بعد وصول برقية تشرشل إلى كوكس بعدم البقاء في كردستان، انسحبت القوات البريطانية من المنطقة الكردية بعد أن سلمت السلطة إلى مجلس إداري محلي في السليمانية يرأسه شقيق الشيخ محمود، وبذلك أصبحت المنطقة التي تقع شرقي خط اربيل – التون كبري – كركوك – كفري، خارج السيطرة العسكرية الإدارية للحكومة العراقية، ورغم إن بريطانيا هي دولة منتدبة لرعاية العراق وإنشاء دولة موحدة فيه وهي التي تهيمن على السلطة العسكرية وتشارك في إدارة العراق وتوجيه شؤونه، إلا إن ترك الأمور بهذا الشكل كان يعني انه قد أصبح بيد بريطانيا سلاح جديد للضغط على الملك فيصل الاول للتوقيع على المعاهدة وهو التهديد بتجزئة العراق، ويعترف التقرير البريطاني المرفوع إلى عصبة الأمم عن الفترة هذه، بان العراقيين قد استاؤوا كثيرا لتراخي البريطانيين في التصدي للعصيان، وقد ولد هذا لديهم الشعور بان ذلك كان متعمدا.
لقد مارست بريطانيا اسلوب التهديد هذا بعد أن أعلن الطبيب البريطاني سندرسون الملك مصاب بالزائدة الدودية ويحتاج إلى عملية جراحية، فرقد الملك في المستشفى، وانفرد المندوب السامي البريطاني لوحده بالسلطة في العراق، ووجه ضربة قوية إلى أنصار الملك من الحركة الوطنية والعشائر العراقية الرافضة للانتداب والمعاهدة، وعندما شفي الملك واجه هذا الواقع مع تهديدات بريطانية بتجزئة العراق، ولما كان الملك فيصل لا يملك قوة عسكرية فاعلة وحدود البلاد مهددة من قبل الأتراك والإيرانيين وآل سعود، وكانت الدولة في بداية تأسيسها فانه وافق على توقيع المعاهدة بشرط إلا يعتبر توقيعه شرعيا دون مصادقة المجلس التأسيسي الذي يجب أن ينتخب أعضاؤه بحرية تامة.
ولنا في الحلقة القادمة بقية إنشاء الله