ماذا يعني ان تصرح كل يوم عشرات التصريحات و على مدى سنوات دون ان يكون لتصريحاتك صدى في التنفيذ؟ ماذا تريد من كثرة هذه التصريحات التي ربما تكون متناقضة في احايين مختلفة؟ هل تريد ان تثبت انك موجود.. و ما فائدة وجودك و انت تقول ما لاتفعل؟ هل تريد ان تجعل الآخرين يغطون في سبات نوم مغناطيسي؟ هل تظن نفسك انك قادر ان تجعل الآخرين “مخدرين” تحت وطأة تصريحاتك الافلاطونية المعسولة بالوعود و الوعود و الوعود.
يبدو للمواطن العراقي ان هذا هو حال حكومات العراق التي تعاقبت على قيادته منذ عشرات السنين، جميعها تصرح و توعد و تخدر و تجعل له الحياة وردية و لكن دون ان يلمس هذا المواطن البسيط المغلوب على امره من الحقيقة شيئاً.
و منذ سقوط النظام السابق و توالي حكومات ثلاث – عدا مجلس الحكم- على قيادة العراق خلال خمس سنين ماضية، لم يحصد العراقي من هذه الحكومات الا على التصريحات و التصريحات، و الغريب في الأمر ان جميع وزراء الحكومة و اعضاء مجلس النواب يصرحون بما يخصهم و بما لا يخصهم، و لكن “اين القبض” – كما يقول المواطن البسيط.
ازمات متكررة و متعددة و الوعود بحلها تتوالى و تتعدد و التصريحات بشأنها تتنوع و تتلون و المواطن الذي ذاق الأمرين يستمع دون اهتمام و ربما بسخرية و استهزاء لأنه ملّ كما يبدو منها، الا ان المسؤولين يصرون على التصريحات دون توقف و دون مراعاة لهذا المواطن الذي اوصلهم الى سدة الحكم لينعموا بالامتيازات و السفرات و الثروات و العقود، دون النظر الى الخلف و ترك ولو بقايا لقمة لملايين العراقيين البسطاء.
اليوم العراقي العادي يعيش دون كهرباء، و منذ اشهر رغم قيظ الصيف، و تصريحات وزير الكهرباء لا تنقطع و لاتتوقف حتى باتت مثار تندر العراقيون جميعاً و بعضهم تساءل لماذا لا يبرمج هذه التصريحات كما يبرمج القطع الكهربائي، اما وكيله فحدث و لاحرج ففي كل يوم يصرح باضافة كذا ميكاواط الى المنظمومة، و بما يناقض وزيره الذي يصرح بخروج كذا وحدة توليد من المنظومة، وكأنه تبادل للأدوار هذا يضيف و ذاك يخرج و المواطن يتقلب بنار الحر و قسوة المناخ .
وكذا الحال بالنسبة للنفط الذي تبدو تصريحات وزيرها و مسؤوليها و كأن كل مواطن سيمتلأ داره بالغاز و النفط و لا يقف طوابير للحصول على ما يكفي لمولدته من البنزين.. و حال التجارة لا يختلف، و البلديات و امانة بغدا فالماء اقرأ عليه السلام في بلاد النهرين.. العطش يدهم البشر و الزرع و الضرس و الجميع يصرح بتنفيذ عشرات المشاريع العملاقة من الماء الصافي بمبالغ عراقية و بمنح عالمية.
اما السيطرات و نقاط التفتيش فأنها تنفذ تصريحات المسؤولين عنها بضرورة احترام المواطن و خدمته من خلال ايقافه ساعات بطوابير لمجرد ان شرطياً او جندياً مزاجه غير رائق ذلك اليوم، و البعض منهم حول سير مركبات المواطن الى الشوارع الترابية و جعل التبليط للفرجة لانه يعتقد ان المواطن العراقي البسيط يحتاج ان يعفر وجهه بالتراب.
لا اريد ان اطيل سرد معاناة المواطن و لكني لم ارى او اسمع او اقرأ عن دولة تستهلك تصريحات مثل الدولة العراقية، و تحديدا بعد عام 2003، فالجميع يتهافت ليصرح بمناسبة أو دونها، بموضوع يخصه او لا، و الدليل يمكنكم ان تلمسوه هذه الأيام من كثرة التصريحات التي تطلق من جميع الأطراف حول الاتفاقية العراقية – الامريكية و كأن الجميع سيوقعها و هم جميعاً لا يعرفون عنها شيئاً.
اخيراً اود القول، ليت من يصرح ينفذ او يسكت و يدع عمله يتحدث عنه حينها الجميع سيترحم له، اما اذا استمرت التصريحات دون فعل شيء فاللعنات ستلاحق اصحاب هذه التصريحات الى يوم الدين.. فرفقاً بهذا الشعب الذي ضحى و ابتلى و الا فأنه لن يصبر كثيراً فحذاري من غضب الشعوب.