تبذل الحكومة المصرية جهودا في رأب الصدع الفلسطيني منذ زمن، ولكي لا نتجنى على أحد، ولا نتهم الإخوة المصريين بتنفيذ إرادة ماما أميركا، وبعيدا عن الانصياع اللاواعي لنظرية المؤامرة الكونية التي تقودها إسرائيل وأمنا الكبرى ضد العرب ونفطهم الذي لن ينضب، أقول: متى سيفهم الفلسطينيون بفتحهم وحماسهم ومعاركهم الدونكيشوتية التافهة أنهم أحالونا إلى الهاوية!
ولست أدري من الذي أقنع حماس بأن استيلاءها على غزة بدعوى محاربة الفساد والمفسدين والعملاء هو أمر جيد! ويصب في مصلحة الشعب والقضية! ولست أدري كيف استكان رئيسنا الرقيق والمرهف والمفكر إلى الأمر الواقع بالتنازل عن غزة لحماس في مقابل تسهيلات من طرف ثالث! وأسال الطرفين: لو كان عرفات حيا، هل كنتما ستجرؤان على ارتكاب هذه الخطيئة التاريخية بحق شعبنا؟
واستغرب أكثر بل استهجن بشدة الفرحة العارمة التي حاولت قناة فضائية هي الجزيرة بأن تزفها إلينا بمناسبة احتلال حماس للضفة، والشعور الكاذب بالرضا لدى جالياتنا الفلسطينية المنتشرة في أصقاع الأرض بما اقترفت أيدي هؤلاء المراهقين السياسيين! وكأنهم سيقيمون دار الخلافة في غزة!!
علامات تعجب كثيرة تلتف حول عنق المرحلة البلهاء التي نتمنى أن تمحى من ذاكرتنا الوطنية قريبا، فما لهذا قدم شعبنا نصف عدد شهدائه في الستينيات والسبعينيات من القرن المضي، لقد كان جوهر المشروع الوطني الفلسطيني قائما على حقيقية واضحة وهي أن لهذا الشعب ممثل شرعي ووحيد ومنتخب هو منظمة التحرير الفلسطينية، وأن قرار السلم أو الحرب هو بيدها وحدها فقط، وأن لا شرعية إلا لها ومن خلالها، فهي الممثلة لكافة القوى السياسية والاجتماعية لفلسطيني المهجر والداخل!
إن الانعطافة الأخيرة والخطيرة المتمثلة بأوسلو وما تبعه من مهزلة انتزع من بين يدينا هذا الامتياز التاريخي المخضب بالدم وعرق أحذية الفدائيين والثوار الشرفاء من شعبنا، وأحال المسألة إلى معارك دجاج في (خم) السلطة المزعومة، وأصبحنا ننتف ريش بعضنا بعضا من أجل حبات الذرة المنخورة بالعفن والسم.
إنها لحظة الحقيقة التي لن تنتهي، والمواجهة بين شرعية الوطن والمشروع الوطني الفلسطيني مع ما عداه، فأين الشرعية الفلسطينية؟ وأين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية والمجلس الثوري؟ وأين دمنا الذي سفح في كل شوارع مدن العالم اغتيالا وقتالا ونضالا؟
يجب أن نعود إلى بيتنا الشرعي أولا، ويجب أن تدخله حماس طائعة ذليلة، وأن يعاد انتخاب ممثلي شعبنا من هناك، وأن تتعهد سلطة السلطة بمسؤولياتها الإدارية والمدنية في إدارة صراع السلام على ما تبقى من الأرض، أما (م.ت.ف) فعليها أن تعود لتمتطي طائر الفينيق مرة أخرى وتحمل شعلة مشروع التحرر الوطني الذي لم يبدأ بعد.