تشرك قناة الـ ( أم . بي . سي ) المواطن العربي منذ فترة طويلة ، في همروجة من البرامج ، و المسلسلات العجائبية
فمنذ ستة شهور تم وضع المواطن العربي في شَرْك ( مسلسلين طويلي النفس ، و الحلقات ) وعلى قانتيها
( الرئيسة ، و الرابعة ) ليلا نهارا ، و بلا رحمة ، لتجعله مصلوبا في منزله هو ، و كل العائلة ، او ملبوسا في محلّه
متابعا مهتما ، حتى أن بعض الشوارع تكاد أن تخلو من المارّة ، وتتعطل كثير من المحلات عن العمل
و نحن لن ندخل في مجال تحليل و توصيف هذين العملين ( لان كاتبا بمثل نفس كاتبيهما لابد من أنّه قد تناول
كميّة كبيرة من مختلف صنوف المخدرات ، و ليترات لا تعدّ و لا تحصى من العرق ، الذي حفلت به المشاهد
و التي تكاذب بها الأهلون على أبنائهم ، و قالوا عنه حليب ) ، و بغض النظر عما يبحث عنه المشاهد في هذين
المسلسلين و حسب تصنيفه العمريّ ، و لا أدري هنا ما الذي يشدّ أطفالا بين عمر ( 4 – 7 ) سبع سنوات اليهما ؟؟؟
كما أن هذا المواطن ينجذب في ذات الوقت إلى عدد كبير من القنوات التي تملأ هذا الفضاء ، و التي تعج بشيوخ
و ملالي من كل المذاهب ، و المشارب ، وفي مقدمتهم الشيخ محمد حسان ، و الخبير الإعلامي عمرو خالد
فما أن ينتهي هذين المسلسلين ، حتى تنتقل الشاشة، و تظهر ، وجوه الشيوخ ، في حالة تثير الصدمة ، وتطرح كثيرا من
الاسئلة عن وضع مواطن ينظر الى الشحم ، و اللحم ، و المفاتن بعينين تكادان تخرجان من محاجريهما ( النساء : مهند
و الرجال : لميس ، ونور ) و وضعه وهو يتلقى خطبة عصماء عن الحلال البيّن ، و الحرام الذي نحوم حوله
و الجنة ، و النار .
ولن نتحدث في مقاصد قناة الـ ( م ب س ) ، او المكاسب التي تحقّقها ( القنوات الدينيّة ) ، و انما همّنا هذا التناقض
الذي يعيشه انساننا العربيّ ، مدفوعا اليه بفقدان الحس النقدي الباحث الذي يفرز الغث من السمين ، و جهل مطبق بأصول
دينه الحنيف الذي نزل على قلب نبيّه المعصوم الامين ( صلعم ) .
ان مواطنا يتقبل مسلسلا مكسيكيا مدبلجاَ ، او تركيّاَ ناطقا باللهجة السوريّة ، و هو يعيش فعليّا حالات مرعبة من الفقر
و سوء التغذية ، و اكتفاء البعض بوجبة و حيدة قد يكون ( الخبز ، والشاي ) فقط هما دعامتها الاساسيّة ، هو مواطن
أمره يثير العجب .
لقد سلب النظام العربي بحاكميه الرائعين من هذا المواطن عقله قبل أن يسلبه حريّته ، و كرامته ، و احساسه بوجوده
الذي أشك به ، و جاءت الصدمات التي تزلزل كيان هذا الوطن ، و التي اتحفت عيني مواطننا العزيز هذا بمشاهد
القتل ، و التفجير ، في فلسطين منذ ستين عاما ، و العراق منذ خمسة اعوام ، ولبنان بشكل متقطّع ، و الجزائر ، و المغرب
فجعلته يكفر بهذا العقل الذي يحمله في رأس تلقى الف ضربة من ملاكم على وزن محمد علي كلاي ، وبدون قفازات
فهرب من الاحساس العام بمصائب أخيه في هذا الوطن الممتد من البحر الى البحر ، بحيث اصبح جزيرة منفصلة عن غيرها
من الجزر التي لايربط بينها رابط و ابتداءا من باب حارته .
قد يكون حلم هذا المواطن حياة على شاكلة ما يشاهد ( في هذين المسلسلين حيث الأمور سرح براح ) ، او هو مسكّن يهرب به
من واقعه المؤلم ، فاذا ما فرّغ شحنته هذه ، مال بزاوية 180ْ ، الى داع أو داعية ، يعدانه خيرا في الحياة الآخرة حيث ما لذّ
وطاب من الطعام ،و الحوريات ، و الخمر ، و هنا خط ابيض رفيع بين ملذات هذين المسلسلين ( بغض النظر عن الحبكة
التي تكاد تقتل ) ، و الملذات التي يسمع عنها في الحياة الاخرى ، و ربما أجد هنا سببا رئيسا في انتحار احد هؤلاؤ المواطنين
لكي يدرك هذه الملذات
ويحضرني هنا ما نقل عن جماعة الحشاشين ” حيث كان الشاب يخدّر قبل دخ
وله الى قلعة ألموت، فاذا ما عاد من غيبوبته
وله الى قلعة ألموت، فاذا ما عاد من غيبوبته
داخل القلعة رأى مالذّ ، و طاب من الخمر و الطعام و النساء ، فاذاما انغمس بهذه الحالة ، أشرب المخدر ثانيةً ، فيصحو
خارج القلعة ، وقد فقد ما فقد ، فيتقبّل أمر عمل انتحاريّ يعيده الى جّنته المفقودة “
وفي هذا اشارة لمن ألقى السمع ، و هو شهيد .