حاوره في باريس: انور مالك
يتحدث هشام عبود في هذا الحوار الذي اجريناه معه وهو في أحد المستشفيات الباريسية، عن عملية اغتيال المحامي الجزائري مسيلي عام 1987، وقد أشار إلى الغموض الذي يكتنف قضية الدبلوماسي الجزائري محمد زيان حسني الذي أوقفته السلطات القضائية الفرنسية بناء على مذكرة توقيف صدرت من قبل، ويغوص هشام عبود وهو ضابط سابق في الأمن الجزائري وكاتب وصحفي نشر كتابا شهيرا عنوانه “مافيا الجنرالات”، في كثير من نقاط ظل تعرفها القضية التي بدأت تلقي بظلالها على مشهد العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وباريس.
– ماهو انطباعك الأول حول اعتقال الدبلوماسي الجزائري بفرنسا في قضية اغتيال المحامي مسيلي؟
بمجرد ما اعلنت وكالة الانباء الفرنسية مساء يوم الجمعة خبر توقيف دبلوماسي جزائري يسمى حسني محمد زيان ابلغني احد الاصدقاء وقرأ لي ما جاء في البرقية، اندهشت للخبر وتساءلت عما اذا وصل الغباء الى درجة ان نبعث برجل دبلوماسي الى فرنسا حيث هو مطلوب منذ ما لا يقل عن عشرين سنة، لم اصدق ان الموقوف هو الشخص المعني، منذ الوهلة الاولى تبادر الى ذهني ان هذا التوقيف تم نتيجة خطأ. ولكن مع مرور الايام يبدو لي ان هناك تعنت من طرف السلطات الفرنسية في الابقاء على الغموض الذي يسود العملية.
اخبركم بانني في الوقت الذي تلقيت فيه الخبر كنت طريح الفراش باحد المستشفيات الفرنسية، ولا زلت الى حد الان بالمستشفى، وغيرتي على الجزائر وعلى كرامتها جعلتني اتحرك هاتفيا، للاتصال بالسلطات القضائية الفرنسية لازالة الغموض فقلت لهم ان محمد زيان لا يمكن ان يكون اسما يطلق لأنه غير ممكن ان يكون هناك التباس بسبب اللقب العائلي لوحده، وطلبت من السلطات القضائية الفرنسية ان تحضر لي صورة الشخص المعتقل حتى يرفع اي التباس، لم اتلق اي رد على هذا الطلب.
– كيف تفسر عدم الرد؟
انا افسر ذلك باحتمالين: اولا الصراع الموجود داخل الطبقة السياسية الفرنسية دفع بكتلة معروفة بعدائها لوزيرة العدل رشيدة داتي، للايقاع بها في ورطة دبلوماسية تضرب العلاقات الجزائرية الفرنسية، وهذا ما حصل منذ فترة مع المغرب اثناء زيارة الرئيس ساركوزي الى المملكة المغربية، حيث طالب القضاء الفرنسي بالقاء القبض على شخصيات مغربية يدعي انها متورطة في عملية اغتيال المهدي بن بركة… الاحتمال الثاني هو ان الشرطة الفرنسية والقضاء الفرنسي وقع في خطأ يرفضون الاعتراف به، وهم أكيد بصدد البحث عن خروج من هذه الورطة بدون دفع اي ثمن.
وهنا أضع اللوم وكل اللوم على السلطات الجزائرية التي لم تحرك ساكنا لرفع الالتباس، لأنني متأكد انه هناك التباس، فلو حدث العكس لاقامت فرنسا الدنيا ولم تقعدها.
– ماهي الاسباب التي جعلتك متاكد من هذا الالتباس؟
لم اقل انني متاكد ان هناك التباس ولكن بالتحديد هناك غموض وحتى يرفع هذا الالتباس ويزول الغموض لابد من التأكد من هوية الرجل الدبلوماسي الموقوف، بالاتصال بالناس الذين يعرفونه جسديا، ومن ضمن الذين يعرفون حساني عبدالرشيد أنا شخصيا وكما أسلفت طلبت الإتصال بالسلطات القضائية لرفع الإلتباس، والشخص الثاني الذي يعرف حساني عبدالرشيد وهو محمد سمراوي ومن السهل على السلطات القضائية الاتصال به من خلال السلطات الالمانية، خاصة ان عنوانه لدى قاضي التحقيق الفرنسي، لأنه أدلى بشهادته في موضوع اغتيال مسيلي باعتبار انه هو الذي تكفل بايواء املو مرتكب الجريمة لما كان يقيم بمدينة سكيكدة.
– كيف تعرف حساني عبدالرشيد؟
حساني عبدالرشيد يتحدر من عائلة شريفة من مدينة أم البواقي، عائلة مناضلة كان عمه رفيق نضال لوالدي رحمه الله منذ الاربعينيات من القرن الماضي، ونحن ننتمي لنفس القبيلة وتعرفت عليه شخصيا عندما إلتحقت بجهاز الأمن عام 1987 ولم ألتق به منذ 1990 بعدما غادرت المؤسسة العسكرية أي منذ 18 عاما.
– سبق لكم ان ذكرتم رواية اغتيال المحامي مسيلي مثلما رواها لك حساني عبدالرشيد، فهل لك ان تذكرنا بهذه الرواية؟
من خلال تصريحي لاسبوعية نوفال اوبسرفاتور كان هدفي توضيح امر مهم وهو انه لا يمكن لضابط في المخابرات برتبة نقيب ان يبادر بالقيام بعملية اغتيال خارج التراب الوطني او حتى في الداخل الجزائري، خاصة عندما تكون الضحية بوزن محامي معروف وناشط على الساحة السياسية واحد اعضاء الاتحادية الدولية للدفاع عن حقوق الانسان، فقد ابرزت ان تدبير العملية تم على مستوى رئاسة الجمهورية، وكان الجنرال العربي بلخير هو الذي اصدر الامر الذي بمقتضاه تمت العملية والذي كان اول مسؤول عليها الشاذلي بن جديد واصهاره، اذ كانت عائلة بوركبة تشكل جهازا امنيا موازيا للاجهزة الرسمية، وللعارفين بخبايا دواليب السلطة في عهد الشاذلي بن جديد ما يقولونه من حقائق يندى له الجبين.
– كيف كلف حساني عبدالرشيد بالمهمة؟
حساني عبدالرشيد الذي كان يحمل رتبة نقيب، لم يكن ضابط مخابرات بأتم معنى الكلمة، فلم تمر أشهر قليلة على قدومه من الدرك الوطني، عين كمستشار للعميد لكحل عياط حيث كلف بملف يبتعد كل البعد عن كل ماهو عملياتي.
فبعد عودة الجنرال لكحل عياط الى الرئاسة عرض الموضوع على مجموعة من الضباط، فتطوع حساني للتكفل بالمهمة وهنا لابد من ان نضع انفسنا في الظروف وفي المناخ الذي كان يسود انذاك، فبالنسبة للنقيب حساني عبدالرشيد فمسيلي مواطن فرنسي اسمه اندري مسيلي، ومثل كثير من الجزائريين كان يرى ان علاقة مسيلي بالسياسة الجزائرية تعتبر تدخل اجنبي في قضايا جزائرية محضة، ضف الى ذلك ما قاله لي شخصيا أن بينه وبين مسيلي ثأر قديم يعود الى الستينيات، حيث في سنة 1964 قام مسيلي الذي كان يشتغل في مديرية الأمن العسكري بإلقاء القبض على أحد أفراد عائلة حساني، فبالنسبة لحساني عبدالرشيد العملية ليست اغتيال سياسي وانما هي عملية قام بها لوازع وطني، هذا ما انقله لكم بامانة كما رواه لي حساني عبدالرشيد.
– هل كنت انت في تلك الفترة تشتغل في جهاز الامن؟
لا انا التحقت بجهاز الامن في شهر جوان 1987 بعد سنتين ونصف عن التوقف عن العمل، اذ كنت قد طلبت التسريح من المؤسسة العسكرية بعدما اشتغلت كرئيس تحرير مجلة الجيش في مديرية المحافظة السياسية، بعد ان تعرضت لمضايقات من طرف القيادة العسكرية التي لم تكن راضية على الخط الافتتاحي الذي رسمته للمجلة، خلصت الى انه من غير الممكن ممارسة العمل الصحفي في الاطار العسكري، وبذلك طلبت ان يتم تسريحي مثلما وقع سنة 1990 بعدما قضيت سنتين ونصف في مديرية الأمن وخلصت أيضا الى ان العمل في المؤسسة العسكرية لا يلتقي مع قناعاتي السياسية.
– كيف ترى المخرج من هذا المأزق الذي يلقي بظلاله على العلاقات بين البلدين؟
كل ما أعرفه أن النظام الجزائري هو أحد مدللي النظام الفرنسي، فبما ان الموضوع يعني دبلوماسي بسيط، لاحظت كيف تماطلت السلطات الجزائرية لفض النزاع، ولكن عندما تعلق الأمر بجنرال متقاعد ورفعت ضده دعوى قضائية بتهمة إرتكاب جرائم ضد الانسانية، شاهدنا كيف جندت كل الوسائل لإخراجه كالشعرة من العجين بارسال أمر بمهمة مزور، وتعاملت السلطات القضائية الفرنسية مع هذا الأمر بالمهمة بدون خلق أي مشكل وسمحت للجنرال نزار بمغادرة التراب الفرنسي بكل بساطة، فأرجو أن تكون هناك أدنى روح مسؤولية وغيرة على الكرامة الجزائرية لرفع الإلتباس اذا كان الشخص الموقوف غير حساني عبدالرشيد، وأشك ان يكون هو الشخص المعني لأن توقيف الشخص المعني ادانة كل النظام ومطالبة العربي بلخير الإمتثال امام المحاكم الفرنسية والا سيكون مطاردا من طرف الانتربول.
—————————————
الموقع الإلكتروني للكاتب