من الطبيعي أن تحرص أي دولة على حماية حقوق أرضها ومواطنيها، ومن حقّها أن تسن القوانين وتصدر التعليمات الناظمة للمحافظة على سيادتها، إلا أن قانون التملك الذي صدر في سوريا بتاريخ 17/6/2008، وما تضمنه من استثناءات تحمي حقوق التملك العقاري للسوريين، يؤثر سلباً على مصالح المقيمين العرب ومن في حكمهم.
ولتوضيح ذلك أدرج بعض النقاط الواردة في مواد القانون، لضرورة مراجعتها ودراستها، كي تتحقق العدالة التي تحرص سورية عليها:
ـ المادة الأولى: (تحدد مساحة سكن العائلة غير السورية المنوي اقتناءه بـ 2.200 م بترخيص مسبق من وزارة الداخلية)، وهنا يعني تحديد المساحة، مما سيربك عملية البيع والشراء وتراخيص البناء، في آن.
ـ المادة 2: (أن لا يتصرف من اكتسب ملكية العقار وفق هذا القانون قبل مضي خمس سنوات)، وفي هذه الحالة يعني أنه غير متصرف بعقاره.
ـ المادة 3: (في حال وفاة المالك، فإن الورثة أو إلى من انتقلت إليهم الملكية من غير السوريين، يسقط حقهم به، وعليه خلال سنة أن يبيع الورثة أو الأوصياء إلى سوري، وإلا ينتقل العقار إلى إدارة أملاك الدولة). وهنا يفرض السؤال نفسه: ماذا لو قرر الورثة عدم بيع العقار؟، والأمر الأهم فإن البيع القسري المحدد بمدّة يفتح المجال للمكاتب العقارية للتقليل من قيمته الشرائية المتداولة في السوق، وبالتالي سيتعرض البائع إلى ابتزاز واحتكار من قبل تلك المكاتب، وهذا سيؤدي إلى إيجاد طرق التفافية على القانون، مما يشجع على انتشار آفتين “المحسوبية الواسطة والرشوة”.
كما أن هناك الكثير من السوريات متزوجات من عرب أو حاملات لجنسيات أجنبية غير عربية، وبالتالي فأولادهن وأحفادهن، ستُبدد أموالهم، وسيجدون أنفسهم بالعراء بعد سنة من حدوث الوفاة، وسيفقدون مشاعر الذكريات والانتماء للعش الصغير!.
أما الوافدين والمقيمين العرب أو من يُعاملون معاملة السوري، فسيواجهون مشاكل أكثر تعقيداً من أحكام الوراثة الشرعية في ظل هذا القانون، لانتزاع الحقوق المكتسبة بشكل غير مباشر، وعدم التمتع بتقييد الحق لإجباره على البيع.
وماذا في حال عدم وجود سند الملكية”الطابو” ضمن المخططات التنظيمية للوحدات البلدية أو البلدية كقرى الأسد على سبيل المثال لا الحصر، كيف يمكن للعربي الذي اقتنى من سنوات طويلة عقاراً، أن يثبت أحقية ملكيته، وما مصير المشتركين من هذه الفئات بجمعيات عقارية، ولم يتم تسلمهم العقار حتى تاريخه؟.
أسئلة كثيرة تُطرح، وبالتالي فإن آثار مواد القانون المذكور ستؤدي إلى:
– تراجع حركة البيع والشراء العقاري، إذ أن القانون لا يتيح فرصة تنشيط السوق المقيد بالمساحة وحصر مدة التملك، وعرقلة حركة العملة من وإلى البلاد، بغرض الفائدة المرجوة من الانفتاح الاقتصادي.
– سوق البورصة، الوليد الحديث، سيتأثر بتحجيم الاستثمارات العربية لإقامة مشاريع استثمارية تنموية، فأي فكرة لبدء مشروع لا بد من مقر أو مكان للإقامة.
إن سوريا الدولة العربية التي تميزت باستضافة العرب دون قيود تأشيرات الدخول، وبحكم موقعها وما تمثله من الدعم السياسي للقومية العربية، فإن القانون كخطوة استباقية وأمنية وقائية، يحمي الأراضي والعقارات في سوريا من التوغل والاختراق الأجنبي ” لغير العرب”، نجد أنه شمل العرب سواء الذين يقيمون بشكل دائم في سوريا، أو من يعتبرونها مركزاً وبلداً ثانياً وليس بديلاً عن الوطن الأساسي.
المأمول من مجلس الشعب الموقر، إصدار تعديل للقانون للتمييز بين العرب والأجانب، والدولة السورية لم تضع أبداً خلال العقود السابقة شروط المعاملة بالمثل مع رعايا الدول العربية الأخرى، إنما كانت المبادرة دائماً لاحتضان الكثير من الوافدين والمهجرين من بلدانهم قسراً أو بسبب الحروب.
أو على أقل تقدير، يسري مفعول القانون من تاريخ صدوره، وعدم الأخذ به على أساس أثر رجعي، وتعديله للصالح العام، بمعنى أن الأجيال الجديدة والحاصلة على جنسيات مختلفة عربية أو غيرها، سيسقط حقها بالتملك، إن لم تعامل وفق أصولها السورية أو العربية أو من يعاملون معاملة المواطنين.
إذ ليس من المعقول إغفال عشرات الآلاف إن لم يتعدَ الرقم أكثر بكثير، لتصبح هذه الحالات قاعدة وليست استثناءً فردياً يمكن معالجته، كما نتمنى إعادة النظر بمواد القانون وما يمكن أن تعود بالضرر على الفرد والأسرة ومسألة الانفتاح الاقتصادي.