بالرغم من كثرة الكتاب والمفكرين الذين يقاربون من هذه الزاوية أو تلك ظاهرة التدين المسطح فإن معظمهم يستسهل كما يبدو التلويح من بعيد واستخدام الرموز والطلاسم وذلك خوفاً ورهبةً نظراً لحساسية المسألة من واقع تكييفها عنوةً من قبل أصحاب الشأن واللحى لتظهيرها على أنها قضية محض إيمانية..!؟ إضافةً إلى المخاطر الفورية المتوقعة التي سبق وتذوق علقمها بعض المغامرين من هؤلاء الكتاب..!
وهكذا فإن ثقافة التدين المظهري المسطح تتقدم في كل اتجاه وما الظواهر المنتشرة في كل مكان من البلد إلا تعبيراً صارخاً عن هذا الحال البائس.
أسّ القضية ليس الدين أي دين الذي اتفق جميع العقلاء على أنه لله إنما هو مسألة التدين إذ أننا نرى أنه هناك فرقٌ كبيرٌ بين الإنسان المؤمن والإنسان المتدين وقد عمل الفقهاء طويلاً على خلط الإيمان بالتدين كمقدمة اجتماعية لازمة لصيرورة سلطة الخلافة الدينية الأمر الذي كرَّس تقلصاً إيمانياً مستمراً كفعل ذاتي داخلي لحساب تقدم مظاهر التدين الخارجية السطحية وهذا ما نراه اليوم في جميع البلدان الإسلامية ومن دون استثناء حيث تسود ثقافة منافية للعقل تحفل بكل أشكال الممانعة لتفعيله ومن غير ذلك لا يمكن الحديث عن مواكبة الآخرين بله الحداثة بكل حمولاتها..!
كيف يكون المتدين مؤمناً وهو يناقض كل مستوجبات الإيمان في حياته الخاصة والعامة إذ يندر أن نقع على متدين نظيف الكف واللسان وهذا لا يحتاج لبراهين وأدلة فهي حالة مجتمعية عامة يلمسها ويعاينها كل واحد وواحدة من الناس ويجري التعبير عنها في السياسة على أنها ظاهرة فسادٍ معمم لكن يجري حصر المسئولية في استشراءه بالأنظمة الحاكمة وكأن هذه السلطات العاقة وحدها هي التي عملت على ( تطيير) إيمان الناس الأوادم فصاروا فاسدين ومفسدين بينما الحقيقة تكمن في أن ثقافة فسادها كسلط أحادية متعسفة ومستبدة تكاملت مع ثقافة التدين الفقهي الفاسد وفي هذا ظلَّت هذه الأنظمة امتداداً واستمراراً لسلطة الخلافة كما كانت عبر التاريخ وليس خروجاً عليها بأي حالٍ من الأحوال كما توحي بذلك أيديولوجياتها أو شعاراتها أو ادعاءاتها.!؟ وهنا مربط الفرس إذ أنه يصبح من السهل إدراك السر الكامن وراء تفشي ظاهرة الخنوع الشعبي بل استمراء هذا الخنوع الذي أدى فيما أدى إليه إلى حالة اليأس من إمكانية التغيير والتقدم بل اليأس من الفعل في أدنى درجاته وليس أدل على ذلك من حالة الأحزاب والمنظمات التي تشظت وتمزقت ومنها من تناثر كالرماد لتبقى في الميادين سلطات الأمر الواقع بمؤسساتها الحزبية، والأمنية، والفقهية، ولم لا يكون الوضع على هذا النحو وهذه السلطات كناية عن تحالف أصحاب النفوذ السماوي والأرضي والذي بين بين..؟