يصطف السعوديون الفقراء لساعات للحصول على المياه فى جدة ثانى اكبر مدينة بالمملكة بينما يستغل آخرون ازدراء الامريكيين فى الاونة الاخيرة لسيارات الدفع الرباعى التى تستهلك الوقود بمعدلات عالية بالاقبال على شراء السيارات المستوردة. ويخفض آلاف الأزواج التكاليف عبر تخليهم عن إقامة الأعراس الفردية لصالح حفلات زفاف جماعية تنظمها مؤسسة خيرية يدعمها أمراء سعوديون. لكن الأغنياء مازالوا يسافرون لقضاء الاجازات وإن كانوا يؤثرون الإقامة الأرخص تكلفة فى الدول العربية المجاورة على الرحلات إلى أوروبا أو آسيا.
وأدى ارتفاع أسعار النفط إلى تحسن كبير فى الوضع الاقتصادى للسعودية إلى جانب العودة إلى شيء من السخاء فى الإنفاق من قبل الأثرياء والمملكة الذى كان سمة مميزة فى السبعينات والثمانينات.
لكن الطفرة الاقتصادية أشعلت أيضا أسعار الغذاء والوقود مما تسبب فى حالة من الاستياء بالبلاد التى تشهد تغيرات سريعة إذ أن نحو ثلثى سكانها المحليين البالغ عددهم 17 مليون نسمة تحت الثلاثين وهم متعلمون ويعبرون عن آرائهم بصراحة وعلى دراية بما يجرى خارج بلادهم.
وسلط ذلك الأضواء على أسرة آل سعود الحاكمة التى تدير السعودية حليف الولايات المتحدة إلى جانب رجال الذين يشرفون على تطبيق الشريعة الإسلامية.
وفى يونيو حزيران بلغت نسبة التضخم فى اكبر دولة مصدرة للنفط فى العالم أعلى مستوياتها خلال 30 عاما وهى 10.6 فى المئة وقد انعكس هذا بالأساس فى صورة ارتفاع فى أسعار الغذاء والسكن.
وقالت عهود وهى مديرة بنك فى الرياض ورفضت الكشف عن اسمها بالكامل “لم يصل الأمر إلى درجة تمنعنا من السفر. مازلنا نسافر مثلما كنا نفعل ونحتفظ بنمط الحياة ذاته.”
غير أنها قالت إنها لاحظت أن الرواتب لا تتماشى مع الزيادة فى الأسعار.
ويرى جون سفاكياناكيس كبير الخبراء الاقتصاديين ببنك ساب السعودى إن الحكومة لا تستطيع رفع الرواتب بما يتناسب مع التضخم إذا كانت تريد تجنب إضافة المزيد من الضغوط التضخمية لكنها تجازف بإثارة غضب العاملين.
ومضى يقول “العاملون بالقطاع العام لا يفهمون لماذا لا ترفع الحكومة الرواتب لتتماشى مع التضخم. هناك انفصال بين التوقعات وما تقدمه الحكومة وهناك استياء.”
وخيبت زيادة فى رواتب الموظفين الحكوميين بلغت خمسة فى المئة فى يناير كانون الثانى أمل السعوديين ممن يقل دخلهم عن عشرة آلاف ريال “2666 دولارا أمريكيا” شهريا خاصة بعد أن سارعت دول خليجية مجاورة إلى زيادة المرتبات بنسب أكبر.
ومازال باستطاعة السعوديين الذين يكسبون أقل من هذا المبلغ التفكير فى تعيين سائق وخادمة واحدة على الأقل. ولا يدفع السعوديون ضرائب ويحصلون على الرعاية الصحية والتعليم مجانا إلى جانب مزايا أخرى.
وقالت نجلاء “22 عاما” وهى متدربة فى أحد البنوك بالرياض ورفضت إعطاء اسمها بالكامل “لا أشعر أن هذا أثر على كثيرا لأن الوضع المالى لأسرتى جيد.”
وأضافت “لكننى لاحظت أننا لم نعد نشترى أشياء كما كنا نشتريها من قبل مثل أجهزة الكمبيوتر المحمول. فى كل منزل يشترى كل شخص واحدا على الأقل فى العام. هذا هو الطلب المعتاد. لكن ليس بالنسبة لنا هذا العام.”
على الجانب الآخر تبيع لولوة “36 عاما” وهى أم لخمسة أبناء الوجبات الخفيفة على حصيرة فى متنزه بالرياض. واضطرت الى الحصول على قرض من مؤسسة خيرية مؤخرا.
وتقول “هذه هى المرة الثانية التى أفعل فيها هذا وقد استعملت الأموال لمشاركة ست نساء أخريات لإقامة مشروع لإعداد الوجبات… كما اتجهت لحياكة الملابس وأبيع بعضها وأحيك بعضها الآخر لكسوة أبنائى وقد ساعدنى هذا كثيرا. لكن الأمور مازالت صعبة بالنسبة لزوجى ولي.”
ويتوخى السعوديون الحذر بشأن التعبير عن الانتقادات علنا خشية أن تعتبر هذه معارضة. لكن فى المنتديات التى يستخدم مرتادوها أسماء مستعارة على شبكة الانترنت وسرا يتساءل من يعانون بحق أين ذهبت الأموال.
وفى تعليق على بوابة الأسواق دوت نت على شبكة الانترنت وهو موقع متخصص فى اخبار الأعمال ويتمتع بشعبية كتب أحد المشاركين يقول إن السعودية على وشك دخول حقبة تختفى فيها الطبقة المتوسطة وأنه لم يعد يوجد سوى الثراء الفاحش أو الفقر المدقع.
وكتب مشارك آخر اختار لنفسه الاسم المستعار “سعودى مستعبد” يقول إن الشعب السعودى يعرف الآن مدى الكسب غير المشروع فى الإدارة وتبديد الميزانية.
ولايزال التساؤل عن عدد الأشخاص الذين يعيشون فى فقر من المحرمات فى المملكة التى تشتهر بثروتها الهائلة. لكن نصف سكانها يعيشون فى منازل مستأجرة كما تم تخصيص عشرة مليارات ريال من أجل إقامة منازل منخفضة التكاليف.
ومع اتساع الهوة فى تقسيم الثروة بين الأغنياء والفقراء يسلط هذا الضوء على كم الأموال التى تستهلكها الأسرة الحاكمة وأعداد أفرادها بالآلاف.
وفى أواخر التسعينات حين كان سعر برميل النفط نحو عشرة دولارات للبرميل قال الملك عبد الله الذى كان وليا للعهد آنذاك علنا إنه يجب ترشيد الإنفاق الحكومى والمفهوم بوجه عام أنه يتضمن تكاليف المعيشة لأفراد الأسرة الحاكمة.
ومنذ توليه الحكم عام 2005 يعزى اليه الفضل فى إطلاق مسعى لخفض الإنفاق الملكى والذى يبدو واضحا فى القصور الفخمة واليخوت وأساليب المعيشة التى تنطوى على إسراف فضلا عن بذله جهودا لكبح جماح الفساد فى الأجهزة الحكومية.
وواجهت الرياض ضغوطا دولية من أجل إجراء إصلاحات اجتماعية وسياسية بعد هجمات 11 سبتمبر ايلول 2001 على الولايات المتحدة حيث كان هناك 15 سعوديا من جملة 19 منفذا. وأشار محللون الى أن الكثير من هؤلاء الرجال جاءوا من جنوب البلاد الصحراوية الفقير.
وجاءت الهجمات فى بداية موجة ارتفاع أسعار النفط التى زادت الان إلى ستة أمثالها وهو ما غير الوضع الاقتصادى بدرجة كبيرة. ويقول بعض المحللين الآن إن الحاجة لتغيير الأسلوب الذى تدار به المملكة باتت أكثر إلحاحا من أى وقت مضى.
وقال خبير اقتصادى سعودى عمل مع الحكومة إنه يجب أن يكون هناك مزيد من الشفافية حتى يتسنى للسعوديين أن يفهموا كيف توزع الدولة عائدات النفط.
وأضاف الخبير الاقتصادى الذى طلب عدم نشر اسمه لأنه ليس مفوضا بالتعليق على هذا الموضوع “لا أحد يعلم كم تأخذ الحكومة من النفط… نعلم مقدار “المال” فى الميزانية لكن كم جنت “مؤسسة النفط الحكومية” ارامكو فى المقام الأول. الرقم الموجود فى الميزانية هو شيك منحته أرامكو للحكومة. يمكننا القيام ببعض الحسابات وسنجد أن هناك فرقا يتراوح بين 20 و22 فى المئة.”
لكن مادام تدفق العائدات بغزارة مستمرا فإن الإنفاق الحكومى وسخاء الأسرة الحاكمة يستطيعان ضمان سكوت الأصوات المعارضة.
وقال إصلاحى ليبرالى اعتقل عام 2004 وطلب عدم نشر اسمه “نمر بمرحلة خطيرة للغاية. نتحدث عن دولة تحقق اكثر من مليار دولار كل 24 ساعة. يستطيعون شراء أى أحد.”
غير أنه ظهرت بوادر على أن ارتفاع تكاليف المعيشة ربما بدأ يحدث أثرا.
وتظهر أدلة من حكايات يتداولها الناس ارتفاع معدلات الجريمة فى المدن السعودية حيث ارتفع عدد أحكام الإعدام التى نفذت عام 2007 الى 143. وذكرت صحف سعودية أن زيادة كبيرة مزعومة فى عصابات المافيا من بنجلادش هى السبب فى هذا.
ويعمل اكثر من سبعة ملايين أجنبى فى السعودية ومعظمهم عمال من اسيا. وهم من بين الفئات الأكثر تضررا من ارتفاع الأسعار غير أن محللين يقولون إن المملكة لم تشهد
تحركات كبرى للعمالة إلى خارجها.
تحركات كبرى للعمالة إلى خارجها.
وقال سفاكياناكيس “السعودية ما زالت تعتبر دولة تستطيع فيها إدخار مبالغ اكبر من تلك التى تستطيع ادخارها فى الإمارات العربية المتحدة او قطر على الرغم من تزايد الضغوط التضخمية.”