فتحى درويش
رحل فارس ألكلمه المعبرة والشجاعة وترجل عن صهوة جواده ،بعد ان ضعفت شرايينه وتوقف قلبه عن الخفقان،ولم يعد يحتمل كل ما حل بالحاله الفلسطينيه من مأس ونكبات ، بعضها من صنع الفلسطينين أنفسهم .
فودعته فلسطين بكل اطيافها،وذرفت عليه سهولها وجبالها ووديانها دموع الحزن ،ليدفن فى رام الله في تله مطلة على مدينة القدس بعد ان رفض الاسرائيليون السماح بدفته فى قريته ومسقط راسه ” المشهد” ، الواقعه فى اراضى ال 48، تلك القريه الجليليه الوادعه التى اجتاحتها العصابات الصهيونيه عام 48 وحولتها الى كومة من الركام والانقاض بعد ان اعملت فيها قتلا وتدميرا.
وظلت صورة تلك القريه راسخة فى ذهن محمود درويش ،الذى جسدها فى اشعاره لتكون رمزا وصوره مصغره للتراجيديا الفلسطينيه، والماساه التى حلت بالشعب الفلسطينى.،والتى اجاد التعبير عنها فى شعره ناقلا الروايه الفلسطينيه يصوره حازت اعجاب العالم كله.
فاعجب به الاصدقاء وحسده الاعداء ، حتى ان رئيس الوزراء الاسؤائيلى السابق ارئيل شارون ، المعروف بفظاظنه وكرهه الشديد للفلسطينيين ، لم يخف اعجابه بشعر محمود درويش ومقدرته العاليه على التعبير عن هموم شعبه ..
وقد حقق محمود درويش من الشهرة والنجوميه، ما جعله يقف فى مصاف كبار الادباء والشعراء فى العالم ،الامر الذى كفاه مذلة الوقوف على ابواب” جائزه نوبل “،التى كان يعتفد دوما ويعتقد معه الكثيرون ،انها لن تمنح لشاعر مثله كرس حياته
وفنه لخدمة قضايا التجرر ومقاومة الاحتلال ، لذلك لم يلتفت اليها ولم يتزلف احدا ليل هذه الجائزه .
يرقد محمود درويش الان فى قيره برام الله الى جانب صديقه “اللدود” ورفيق دربه ياسر غرفات،الذى منع هو الاخر ايضا من الدفن فى مسقط راسه، عقابا له على تمرده وتمسكه بحقوق شعيه ورفضه التفريط بها ،
واليوم يعاقب محمود درويش بنفس “التهمه” ، ويمنع من الدقن فى قريته، ولعل السبب الرئيسى الكامن وراء قرار المنع الاسرائيلى هو الخشية من ان يتحول قبر الشاعر الى “مزار” يؤمه الفلسطيتيون من كل صوب ،وان يؤدى ذلك الى تاجيج مشاعرهم الفوميه ،خاصة فلسطينو ال 48 الذين يجلسون على فوهة بركان بفعل الاضطهاد القومى والعنصريه التى تمارس ضدهم فى إسرائيل.
ولاشك ان قادة اسرائيل لم ينسوا قصيدته الشهيره “عابرون فى كلام عابر ، التى اثارت نقاشا حادا فى الكنيست الاسرائيلى ووصف على اثرها الشاعر بالعنصريه و معاداه الساميه ، تلك القصيده التى قال فيها: –
ايها المارون بين الكلمات العابرة
كالغبار المر مروا اينما شئتم ولكن
لاتمروا بيننا كالحشرات الطائره
خلنا فى ارضنا ما نعمل
ولنا قمح نربيه ونسقيه ندى اجسادنا
ولنا ما ليس يرضيكم هنا
حجر …… او خجل
فخذوا الماضى اذا شئتم الى سوق التحف
واعيدوا الهيكل العظمى للهدهد ان شئتم
على صحن خزف.
كان محمود درويش فى الاشهر الاخيره و كانه فى سباق مع الموت،لكن ارادة الحياه ، دفعته للموافقه على ادراء العمليه الجراحيه ، رغم نصيحة طبيبه الفرنسى الذى جذره من اجراء هذه العمليه،ورغم التقديرات الضئيله لنجاحها ،فتفدم بخطى ثابته نحو سرير الموت ،وبدا كانه يسارع الى حتفه.، كان يبدو وكانه يكنب قصيدته وهو متكىء الى قبره ،لكن رغم ذلك ظل هاجس القصيده مسيطرا عليه حتى اخر لحظه فى حياته.
لقد جاء رحيل محمود درويش صعب وقاس عليتا ، نحن الذين تربينا وفتحنا عيوننا على :سجل انا عربى وريتا والبندقيه ابو احمد الزعتر واحن الى خبز امى وقهوة امى وغيرها من القصائد ، وقصائد سميح القاسم و توفيق زياد وشعراء المقاومه الاخرين لكن قدرية الموت الذى لا يستثنى احدا تجعل الامر فوق قدرة وارادة البشر.
عزاؤنا الوحيد ان الشاعر ترك لنا قيل ان يرحل ، ذجرا هائلا من الثقافه الانسانيه والشعر الجميل الذى يمدنا بارادة الاستمرار والحياه والصمود .
فتحى درويش