شعر: عيسى بطارسه
لكِ من أريجِ الدّهرِ .. أندرُهُ،
ومن رَبيعِ المجدِ .. أنضرُهُ،
ومن عبَقِ العَواصِمِ سِرُّهُ وسَريرُهُ؛
لكِ من فتى يُدعى الخلودُ
رمى عليكِ لِعِشقِهِ
من سِحرِهِ
ما كانَ أسحرَ
كانَ أزهرَ
كانَ أندرَ .. وانْحَنى!
للهِ درُّكِ!
ما الذي أبقيْتِهِ للأخرياتْ؟
كلُّ العواصِمِ
حين تلقاني تُهيّجُ بي لواعِجَ غُربَتي
بصَقيعِها
ونَجيعِها ..
ولأنتِ ياعمّانُ وَحدكِ
من يُربّي الدفءَ في كلِّ الزوايا
والحنايا والشّوارعِ والأزقّةِ والبُيوتِ
وبينَ كلِّ اثنيْنِ كلِّ اثنيْنِ ..
وحدكِ تُتقِنينَ الشّوقَ ..
في شتّى اللغاتْ!
ولأنتِ ياعمّانُ وحدكِ
لو هجرتُ الأرضَ في يومٍ
لما حملَ الفؤادُ سِواكِ
لي سلوايَ أو نَجوايَ
أو سري الذي في جَنَباتِهِ مأوايَ
كنتِ رصيديَ الأغلى
من العِشْقِ المُولّهِ
كلَّ ما لي، من عَزيزِ الذكرياتْ.
أنتِ التي لما تجلّتْ مُعطياتُ الكونِ
وانحَدَرَتْ قليلاً من غَياهِبِها
بَنَتْكِ هنا لنا بيتاً شهيّاً أخضراً
ولقدْ حبَتْهُ سَماءَها
وضِياءَها وبَهاءَها ..
للهِ درُّكِ!
هل تُرى تَدري العواصِمُ أنّها
مُذْ كنتِ في الدنيا تعاطَتْ
دونَ أن تدري الفُتاتْ؟
* * *
كم مرةٍ في مرةٍ
سَرَقَتكِ من دمعي سُنونُ الجَدبِ
كم من مرةٍ ذرّتكِ من قلبي
العواصِفُ والمَخاوفُ
والمكائدُ والمصَائدُ
فانتَشَلتُكِ
واستَعدتُكِ
واحتَضَنتُكِ كالغَريقِ
لألتَقيكِ وقد شمَختِ بيَ اتّقاداً،
ألتَقيكِ كما صُخُورُ الشطِّ
تَزدادينَ في قلبي انبِلاجاً وانفِراجاً
في العناءِ .. معَ الزمانِ!
وجدتُ أني كلما أوغلتُ في منفايَ
زِدتيني اقتراباً،
أو إذا دانيتُ أخرى دوُنَ أن أدري
جَلَدتيني عِتابا!ً
كم تُرى من مرةٍ
حبَكَتْ على حبّي إليكِ
وما لوَتهُ
وما حَنتْهُ
النائباتْ؟
وأصيحُ في مُستَنْقعاتِ الهمِّ
في الليلِ العنيدِ المُدلَهمِّ
لروحيَ التعبى الكليلةِ ثائراً
لا تجزَعي!
لا تَجزَعي!
والرّيحُ صَرصَرُ، والطريقُ مُشوّشٌ
والبيتُ مبتُورُ الملامِحِ
والأماني خاوياتْ.
لا عاشَ في دنيا المَحبّةِ من ثَناهُ
الموتُ أو وجعُ انكِسارٍ واحتِضارٍ عن هواهُ
أصيحُ بي:
أنا عاشقٌ!
والدربُ نحوَ الكرمِ تضربُ دائماً
في خافِياتِ الروحِ،
والبئرُ القديمةُ لم تزلْ ملأى بحلوِ الماءِ
ما زالَ الصبيُّ يطِلُّ منعُوثَ الملامحِ
حالماً من بُقعةِ الضوءِ الصّغيرةِ،
راكضاً خلفَ السّحاباتِ التي
تأتي وتذهبُ حيثُ لا يدري،
وتتركهُ وحيداً ذاهِلاً عندَ السماءِ
بلا دليلٍ والدّوالي لم تزلْ
للآنَ تحتَضِنُ العناقِيدَ البَديعةَ
والطفولةَ والعَصافيرَ التي أحبَبتُها
والزَقزَقاتْ.
يا للدّوالي لم تزلْ للآنَ تُوقِظني،
وتأخُذني بعيداً في الزّمانيْنِ
الذي قد فَرَّ من حولي بعيداً
والذي في الدربِ آتْ!
أنا عاشقٌ!
َيرنُو لكرمٍ في أقاصي الأرضِ
يحلمُ أن يموتَ لديهِ في يومٍ
ليَرجعَ غانِماً
حُراً على دربِ الحياةِ ..
لأنتِ ياعمّانُ تأتَلقينَ
لو تدرينَ،
مثلَ يَمامةٍ بيضاءَ تَهدِلُ فوقَ رأسي
أينَ صِرتُ، وأينَ غِبتُ وأينَ كنتُ!
لأنتِ يا عمّانُ وحدكِ
أنت ياعمّانُ وحدكِ
تملكينَ المُعجزاتْ.
لوس أنجيليس 10 آب 2008
www.issabatarseh.com
[email protected]