نعلين بلدة فلسطينية جذورها كنعانية.. تاريخها يروي انها على الغزاة ظلت عصية.. لم تلن لساكنيها قناة.. وفي وجه الطغاة ظلوا اباة.. لم يفرطوا بشبر واحد من ارضهم.. لفظوا السماسرة وقاوموا التطبيع وشقوا للمجد طريقهم.. بلدة فلسطينية لم تنتظر المدد لياتيها من بعيد.. جندت كل طاقاتها ووحدت كل اطيافها.. لتدافع عن وجودها.. ولترسم لاجيالها مستقبلا آمنا سعيد.. بلعين بلدة ابية رفضت الخنوع والاستسلام.. قررت التحدي والسير في طريق الكفاح.. نعلين كانت تدرك مسبقا انها ستثخن بالجراح.. وكانت تعرف ان دربها شاق مخضب بالدماء.. وبالرغم من كل ذلك اصرت على حمل اللواء.. وسارت بشمم وشموخ حاملة شعلة الامل.. لترسخ نهجا في المقاومة والصمود.. نهجا يقوم على اشراك الجماهير.. ويسير ويتطور بارادة الجماهير.. نعلين قالت اليوم لا للجدار.. كما قالت منذ بدء الاحتلال لا للاستيطان.. ادرك اهلها منذ البداية جيدا ان خطر الجدار يتهدد كل وجودهم.. وانه لابد لهم من الشروع في اعمال المقاومة الشعبية ضد ذلك الجدار اللعين.. حتى يعيقوا تنفيذ مخططات المحتلين.. ويفهموهم ان شعبنا لن يركع او يستكين.. لانه حقيقة شعب الجبارين.
نعلين تفجرت في لحظة فلسطينية سوداء.. لحظة انحرفت فيها بوصلة الكثيرين حتى لم يعودوا يميزوا بين الاعداء.. واستنزف الجهد الوطني في غير وجهته واقتتل الاشقاء.. لكن نعلين اصرت على المضي في درب النضال.. ووجهت بوصلتها نحو الاحتلال.. نعلين جندت كل طاقاتها.. نعلين وحدت كل قواها.. نعلين عرفت طريقها واخلصت لقضيتها.. نعلين قبلت الدعم والمساندة.. وفي نفس الوقت اصرت على ان المعركة معركتها.. هي من يقودها وهي من يرسم تكتيكاتها..
سارت نعلين في طريقها شامخة.. واحتلت بقوة قلوب الناس في كل الارض الفلسطينية.. وهذا قبل ان تحتل بجدارة صدارة الاخبار في القنوات الفضائية.. وصار كل فلسطيني يتمنى لو يشارك ولو بيوم واحد في انشطتها الكفاحية.. واصبحت نعلين مع الايام قبلة للمتضامنين الدوليين.. وعنوانا اخر من عناوين الكفاح الفلسطينية.. تقدمت نعلين بسرعة وتصاعدت وتيرة كفاحها وكرست نموذجا اخر في المقاومة الشعبية.. الامر الذي دفع بالمحتلين للارتباك والجنون.. فقد واجهوا في نعلين جماهير لا تكل ولا تتعب.. فالناس هناك يلملموا جراحهم بعد كل معركة.. ويبدءوا فورا بالتخطيط للمعركة القادمة.. لا الهراوات وتكسير العظام والاطراف يرهبهم ولا الاعتقالات تثنيهم عن دربهم.. لا الرصاص الحي والمطاطي ولا قنابل الصوت ولا الغاز السام يوقفهم.. سقط اثنين من الشهداء وجرح العشرات والمئات، لكن المعركة لم تنتهي ولم يتوقف الفلاحون اصحاب الاراضي، ولا اصدقاءهم المتضامنين عن تنظيم الفعاليات..
لكن عبقرية الشر لا تستكين وتنضح دوما من جوفها افكارا واساليب شيطانية.. فقد قرر المحتلون تجريب اساليب جديدة– اعتقدوا انهم من خلالها قادرون على تفتيت عضد الجماهير بالتصويب على مواضع الكرامة والشهامة والعنفوان الفلسطيني– فاحضروا من اجل ذلك صهاريج مملوءة بالمياه العادمة الممزوجة بمواد كيماوية ( رائحة الظربان ).. وشرعوا برشها على وجوه واجساد المتظاهرين بواسطة الخراطيم والمضخات.. ملوثين بذلك البشر والشجر والحجر بروائح نتنة مقرفة تتسبب بالتقيؤ والاغماء ويدوم مفعولها لايام طوال..
لقد خطط المحتلون لازالة رائحة المسك عن نعلين.. كي يزيلوا الرائحة المنبعثة من دماء الشهداء الذين سقطوا بدم بارد على ايدي جنودهم.. ويبدوا ان غطرسة القوة مازالت تعميهم عن الادراك بان احتلالهم سائر حتما الى زوال– مهما طال الزمن او قصر.. وان اهل نعلين كما هو كل شعب فلسطين سيواصلون النضال حتى تحقيق كامل حقوقهم الوطنية المشروعة.
مخيم الفارعة – 10/8/2008