ما زال الكثير من المخلصين وبحسن نية يتصورون ان هناك امكانية حقيقية لحوار جدي بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية قد يعيد الى الساحة الفلسطينية وحدتها وينهي حالة الصراع التناحري القائم بين فتح وحماس.وتتصدر قوى اليسار هذه الدعوة ، فكثيرة هي التصريحات التي تطلقها الجبهة الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب ، بالاضافة الى كثير من الشخصيات الوطنية وكتاب فلسطينيون وعرب.ومع التاكيد بان الوحدة الوطنية هي مطلب جماهيري فلسطيني عربي الا ان المطالب لا تتحقق بالتمني، بل بقيام خطوات فعلية اجرائية على ارض الواقع، فهل مثل هذه الخطوات يمكن حدوثها بالرغم من كل الدعوات والامنيات؟؟قلنا في مقال سابق ان كل هذه الدعوات ستذروها الرياح، ولن يجري حوار بين السلطة وحماس واذا جرى فسيكون مضيعة للوقت ولن يؤدي الا الى تاجيل الصراع تمهيدا لمرحلة ثالثة تحضر لها حماس سوف تكون على مستويين الاول تنظيف قطاع غزة من أي وجود عسكري للتنظيمات الفلسطينية الاخرى في قطاع غزة، وهو الذي يجري التحضير له الان، مما خلق مخاوف جدية عند تنظيمات اليسار من حدوث معركة مسلحة تقودها حماس ضدهم، على ارضية اتهام هذه الفصائل بانه “طابور خامس لفتح والسلطة” وانه ربما تكون منظمات اليسار اداة السلطة في اعادة قطاع غزة الى الشرعية بطريقة مسلحة.وكنا قد اشرنا سابقا الى ان التناقض بين برنامج السلطة وعمودها الفقري حركة فتح وبين برنامج حماس هو تناقض رئيسي وليس تناقضا ثانويا يمكن تجميده او انهائه واعادة المياه الى مجاريها من خلال دعوة السيد اسماعيل هنية يوم الجمعة الى حل للخلاف قائم على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”.فمن وجهة نظر هنية هذه ان مقولة لا غالب ولا مغلوب تعني اعادته الى سدة الحكومة ، وعودة حماس الى السيطرة على القرار السياسي للسلطة باكملها.وهذا ما تعتبره السلطة فيه انتصار لحماس وهزيمة لها وبالتالي فهي ترى ان تحقيق مصالحة على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب” تعني عودة حماس عن انقلابها وتسليم غزة للشرعية وحل اجهزتها الامنية وادماجها بالسلطة الشرعية، وبعد ذلك نفكر في حل الازمة السياسية المتعلقة بامكانية عودة حماس للحكومة، وهذا لن يحدث مطلقا ، حيث ان السلطة وبعد اعادة غزة الى الشرعية ستنظم انتخابات تشريعية جديدة على اساس تنظيم جديد للدوائر الانتخابية طرحتها قوى اليسار واعتمدتها السلطة ، حيث ان نظام الدوائر الذي جرت عليه الانتخابات السابقة والتي ادت الى فوز حماس فيه الكثير من التضليل وعدم الموضوعية ، حيث فازت حماس فقط بنسبة 23 بالمائة من الاصوات ، ولم تفز باغلبية اصوات الشعب الفلسطيني.وحماس بالتاكيد تدرك مرامي السلطة ومرامي فتح التي لن تسمح باي حال من الاحوال بعودة حماس الى تشكيل الحكومة الفلسطينية وبنفس الوقت تريد اعادة غزة الى الشرعية بكل الطرق والوسائل الممكنة.ان هذا التناقض الرئيسي والجوهري على صعيد التركيبة السياسية الداخلية يسنده بشده تناقضا رئيسيا اخرا مرتبط بالساسة الاستراتيجة لكلا الطرفين ، فالسلطة حسمت امرها بشكل واضح باعتمادها المفاوضات اداة رئيسية لاستعادة الحقوق الوطنية واقامة الدولة الفلسطينية ، فيما ترى حماس ان المفاوضات القائمة على اتفاق اوسلو “الخياني” من وجهة نظرها لن يؤدي الا الى التفريط بالقضية الفلسطينية ، وان السلطة لن تحقق شيئا للشعب الفلسطيني وانها لن تكون الا شرطي امن لحماية العدو الصهيوني.ومن خلال هذه التناقضات الاستراتيجية بين الفريقين كيف يمكن ان يكون هناك حوارا يؤدي الى نتيجة ايجابية تعيد الوحدة الى الساحة الفلسطينية؟ الا في اذهان بعض الواهمين.وقد اعلن الدكتور محمود الزهار امس وهو القيادي البارز لصقور حماس ان لا امكانية لان تتم المصالحة الفلسطينية لحين ما اسماه “سقوط الضعفاء”. والضعفاء من وجهة نظر الزهار هم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس الامريكي جورج بوش ورئيس وزراء العدو اولمرت، وكرر تاكيده بان حماس لم تتلقى دعوة من مصر للحوار الوطني ، واتهم السلطة الفلسطينة بانها لا تريد المصالحة، مهددا بمقاومة أي محاولة لتغيير الواقع القائم في قطاع غزة.وتلقى الدعوة المصرية للحوار المزيد من التشكيك على عدة مستويات ، مع تصعيد حماس لاجراءاتها الرامية الى تعزيز هيمنتها على القطاع، بالاضافة الى تصاعد حالة عدم الثقة بين الفريقين.وقال الزهار ان احتمالات نجاح مساعي القاهرة ضعيفة جدا، مواصلا هجومه على السلطة والرئيس محمود عباس وقيادة فتح التي حملها المسؤولية الكاملة عن ما تمر به الساحة الفلسطينية وذلك “بسبب الارتباك بالمشروع الامريكي”. مؤكدا مرة اخرى في تصريحه لوكالة الانباء الالمانية ان “اعلان عباس عن ترحيبه بحوار شامل مجرد علاقات عامة للتخفيف من الضغوطات التي يتعرض لها من اطراف عربية”وقال «لكن النتيجة المطلوبة بحوار فلسطيني جاد يفضي إلى مصالحة حقيقية أمر مستبعد لأن أمريكا التي يرتبط عباس بمشروعها لا ترغب في حوار فلسطيني ـ فلسطيني وتضع عليه الفيتو».وفي ذات الوقت أكد الدكتور محمد الهندي القيادي في حركة الجهاد الإسلامي “بان الساحة الفلسطينية تشهد في هذه الآونة العديد من التحديات والمخاطر التي قد تعصف بكل ما هو فلسطيني خاصة في ظل تنامي حالة الانقسام بين حركتي حماس وفتح، بالرغم من الدعاوى المتكررة من مختلف الأطراف لاستئناف الحوار الداخلي للخروج من الأزمة الراهنة”.وأضاف في مقابلة مع صحيفة الاستقلال الأسبوعية في غزة “أن الدعوة لانطلاق جولات الحوار الداخلي
في ظل تلك الأجواء ستكون بلا فائدة وستضيف مزيداً من الاتفاقات غير الواقعية وغير العملية.وأعرب الهندي عن تخوفه من أن تشهد الأشهر القليلة المقبلة مزيدا من التعقيدات على صعيد المصالحة الداخلية، خاصة مع انتهاء ولاية الرئيس محمود عباس في شباط- يناير المقبل، “الأمر الذي سيدخلنا في مرحلة جديدة من التجاذبات والسجالات واتخاذ القرارات المتضاربة والمختلفة من كل طرف على حدة”.وفي نفس السياق تقريبا كانت وجهة نظر قدورة فارس القيادي في حركة فتح الذي رأى في التطورات الأخيرة والتصعيد بين حماس وفتح سواء في قطاع غزة أو الضفة الفلسطينية «مبعثا للتشاؤم حيال التقدم لحوار قريب».وشدد في تصريح لوكالة الانباء الالمانية على أن «تصعيد» حماس المتواصل ضد وجود فتح في غزة وفي المقابل الاعتقالات التي تجرى بحق عناصر حماس في الضفة تقدم انطباعا سلبيا لجهود الحوار وتؤكد أزمة الثقة التي تتطلب نوايا جادة ورعاية عربية فاعلة. ان المشهد الفلسطيني الراهن ليس معقدا ولا هو عصي على الفهم والادراك فهناك برنامجان سياسيان يتصارعان ولا توجد بينهما نقاط التقاء حتى في المسائل التكتيكية، ولذلك فان الجهود المبذولة للمصالحة هي جهود ضائعة بالرغم من دوافعها النبيلة، وهي كذلك دعوات الكتاب والشخصيات.ان الوسيلة الوحيدة للخروج من الحالة الراهنة هو التفاف القوى السياسية حول واحد من البرنامجين فاما برنامج حماس واما برنامج فتح ، اما الخيار الاخر فهو المبادرة باطلاق برنامج سياسي جديد يشكل اساسا للوحدة السياسية.بغير ذلك فكل الجهود مضيعة للوقت.ابراهيم علاء الدين