د. وسام جواد
ليست حداثة العهد وقِلة الخبرة بعَيبٍ على من ينتظره النضوج ولديه د. وسام جواد
ليست حداثة العهد وقِلة الخبرة بعَيبٍ على من ينتظره النضوج ولديه الرغبة في التعلم . فالحياة مدرسة, واسعة المجالات, متعددة الخيارات, لا تضع العقبات, ولا تعيق الرغبات, في تنمية القدرات , وزيادة الخبرات. ولا عجب في أن العديد من خريجيها قد أصبحوا أساتذة فيها,على عكس الذين لم يتمكنوا من إستيعاب دروسها, فلم يبق لديهم أي أمل, سوى الاعتراف بالفشل, أو الفرار على عجل . وبما أن معظم القيادات السياسية في عالمنا العربي طارئة, فهي لم ولا تمتلك الشجاعة الأدبية للإعتراف بالفشل, ويفضل معظمها الهرب, إذا ما دنى الخطر وإقترب, ولها في ذلك ألف سبب, ولا يجوز النقد أوالعتب..!
بالأمس, حين كانت الأنظار متجهة نحو ما عرف بمثلث الموت, ساد إنطباع خاطئ عن هوية المقاومة العراقية, صححته معارك النجف الأشرف والفلوجة البطلة, وهتافات الجماهير : اخوان سنة وشيعة , هذا الوطن ما نبيعه. وقد انتعشت الآمال آنذاك, في إمكانية توحيد القوى الوطنية, المناهضة للإحتلال وتحقيق الهدف المشترك في التحرير, إلا أنها تبددت, حين تمَكن الإحتلال من إختراق الجبهة الداخلية, وإشعال فتيل الفتنة الطائفية, وشراء ذمم مَن صَحَت أجسامهم وغفت عُقولهم .
اليوم, خفت وتراجعت حدة معارك الفتنة الطائفية,التي فجرها الإحتلال وأعوانه, وقادها المأجورون , فقد تعب الفرقاء, وهَدّهُم الوهن والعناء, وفهموا أنهم تعساء, خُدِعوا بمَكر ودهاء, وتكبدوا في حربهم الشعواء, ما لم تكبده الناقة العرجاء, فنالوا لعنة الأرض والسماء, بعد أن فتك سلاحهم بالأبرياء, شيوخ وأطفال ونساء, دون أن يتمكن العقلاء, من وقف مد الأغبياء, ومنع انتشار الوباء, وما حملهُ شر داء, عجزعن علاجه الحكماء, إذ ليس لداء الحماقة دواء ..
وفرت ظروف ما بعد الإحتلال فرصا للسيد مقتدى الصدر لم تتوفر لغيره, بعد تراجع دور الأحزاب السياسية, بسبب انتكاسات بعضها, وتعاون بعضها الآخر مع الإحتلال وفق تبريرات غبية,لا تقنع سوى أصحابها. وكان رفاق الشيوعية بالأمس, ورفاق الإمبريالية اليوم, كعزيز الحاج وكاظم حبيب من أوائل الذين حاربوا السيد مقتدى الصدر وجعلوا منه هدفا, لإطلاق سهامهم المسمومة والمدفوعة الأجر. وقد سعت الحكومات المنصبة والقوى الدينية ال
متعاونة مع الإحتلال الى إيجاد المبررات لضرب التيار الصدري وحرفه عن مساره الوطني, يعينهم على ذلك, إستفزاز القوى التكفيرية و الطائفية,التي لم يتمكن التيار من تجنب الصدام معها, فدخل كطرف في معارك الفتنة الطائفية المقيتة,التي كلفته الكثير من الضحايا وأضرت بسمعته .
أدى تذبذب المواقف وعدم الثبات على القرارات,التي تتخذها قيادة التيار الصدري, وتهاونها في غربلة التنظيم من العناصر الدخيلة, ووقوعها في شرك الفتنة الطائفية إلى زعزة الثقة بقدرتها على تلبية طموح جماهيرها في تبؤ مواقع مشرفة سياسيا ودينيا في طريق النضال المقاوم للاحتلال . وكان على السيد مقتدى الصدر أن يختار بين وقفة القائد مع جنوده, كما هو الحال مع القائد العربي الفذ السيد حسن نصر الله, وبين إعلان إنسحاب, دون مخر للعباب, وشروع في إحتراب, غير محسوب الحساب, لكي لا يسأل الأصحاب, من بعد طول الغياب : أين مقتدى يا شباب ؟ ولم يجد أحد الجواب ..!
يدور الحديث هذه الأيام حول أرباع وأنصاف الطريق لحل جيش المهدي وتحويله الى”مؤسسة ثقافية” اذا باشرت القوات الامريكية بقرار جدولة الانسحاب (حسب تصريحات ممثلي السيد مقتدى)في وقت :
- أعلن البيت الأسود “من السابق لأوانه القول متى يمكن بدء سحب القوات الأمريكية الموجودة في العراق .”
أي, بمعنى آخر: مِش بوزك, يا مَن تصدق بحكومة الإحتلال وأعوانه..
- ينطوي الاقتراح العراقي على إنسحاب القوات الأمريكية من شوارع المدن العراقية بحلول منتصف العام القادم وسحب القوات القتالية بحلول تشرين الأول 2010. وقال أحد كبارالمسؤولين : إن بعض وحدات الإسناد قد تبقى لبضع سنوات أخرى .أي أنه يريد أن يقول لمن يعتقد بامكانية خروح الغزاة بالطرق السلمية ما يقوله المثل الليبي : عيش يا كديش لحين ينبت الحشيش..
- قالت المتحدثة بإسم البيت الأسود دانا بيرينو التي رافقت بوش في زيارته الي بكين انه لا يوجد إعلان وشيك بشأن التوصل الي اتفاق وأنه من السابق لأوانه بحث مواعيد الانسحاب.
ترى,هل ستتمكن “المؤسسة الثقافية” من إقناع قادة الإحتلال النازي بتغيير”السابق لأوانه” وإبداله بـ آن أوانه ؟ وهل هناك أكثر من هذا الوضوح في نية البقاء وتحطيم ما تبقى من بارقة أمل لعراقنا وشعبة في التحرير وإعادة البناء ؟
إن السلوك الخاطئ ونمط تفكير التيار الصدري في هذه الفترة العصيبة يجسده المثل العراقي الشعبي : باگة فجل لا تفلين, گرصة خبز لا تكسرين, أكلي لمن تشبعين..!
لقد دخل السيد مقتدى كقائد من باب النضال الواسع, وعليه أن يزج بفرسانه في معركة الشرف والكرامة ضد الغزاة وأعوانه دون غيرهم, وأن يقف في مقدمة مقاتليه في جبهة الصمود,التي يقاتل في خنادقها رجال المقاومة العراقية البواسل. ولا يليق به البحث عن سبل الخروج مهزوما من النافذة, فمن يخشى حفيف الشجر لا يدخل الغاب ..