ما يحسبه الفطاحل الإعلاميون السوريون انتصاراً على الخارج ( المعادي ) وتفكيكاً لحلقة العزلة المنسوجة من قبله هو في حقيقة الأمر انكساراً للداخل الوطني وتراجعاً بنيوياً يصل إلى ما دون المستوى المدني المفترض أنه أصبح سمة المجتمعات الحية السائرة إلى الأمام..!
لقد كان من المتوقع أن تحصل بعض الانفراجات على المستوى السياسي بعد سيلٍ من الإغراءات والمحفِّزات على المستوى الاقتصادي وعلى هذا الصعيد لا يمكن التهرب من الاعتراف بالنجاح المطرد الذي حققته نخبة اقتصادية سياسية غير تقليدية مغطاة سلطوياً الأمر الذي أتاح بداية لإعادة تشكل طبقة وسطى سبق وأن قضي عليها من ذات السلطة عبر سياساتها الأيديولوجية الممنهجة خلال أربعة عقود عجاف…!
إنه لمن المدهش أن لا يتوقف إعلاميونا السفسطائيون سوى في المحطة الاقتصادية التي تشهد متغيرات متسارعة تشريعاً وتنفيذاً هي في حقيقة الأمر استجابة بديهية محتمة بدافع الديمومة لاستحقاقات عولمية ملحة متجاهلين المستويات الأخرى التي وحدها تعكس نجاعة ما يتحقق على المستوى الاقتصادي إذ يبدو واضحاً جلياً الانحدار المتسارع في المستويات الأخرى من حقوقية واجتماعية وإنسانية وغيرها..!؟
من الذي يمكنه أن ينكر التدني الحاصل على صعيد التعليم في كل مستوياته.. والتفسخ على صعيد البنية القضائية.. وتقلص هامش الحرية على كل الصعد بدءاً من حرية الرأي والتعبير مروراً بأي شكلٍ من الحراك المجتمعي المدني غير المؤطر وليس آخراً الحراك السياسي بأبسط أشكاله ..!؟ إنه في حين تستجيب السلطة لمعظم استحقاقات التحول الاقتصادي فإن كل ما عدا ذلك من مثل تشريع وتقنين الحياة السياسية والإعلامية والحقوقية يبقى مؤجلاً و خارج التداول وهي مسألة مفهومة من حيث أن هذه الاستحقاقات هي وحدها الكفيلة بأن تعيد صياغة الداخل المجتمعي كمقدمة لعودته إلى حيويته المفترضة مما يعني بداهة مشاركته في صناعة كل ما يتعلق بمسار صيرورة الوطن السوري بشراً وجغرافيا..! لكن هذا يعني في صريح العبارة كسراً لنظرية الحزب القائد التي أقرَّ بها جهابذة الأحزاب الساجدة في ( سقيفة ) جبهة المحاصصة الوطنية التقدمية التي يتندر بها وعنها السوريون.! هذه الجبهة التي ساهمت في إعادة مكونات المجتمع السوري إلى ما دون السياسة والعمل السياسي.!
إننا نرى من دون نظارات مقرِّبة أن مؤشرات النصر أو الهزيمة ليست محددة في يتحقق من اختراقات سياسية متأتية من المستوى الاقتصادي أو حتى من التحالفات الإقليمية الظرفية فهذا يبقى رهن المصالح النفعية الفوقية المتبادلة فالنصر بما يعني التقدم يتحدد على مستوى الداخل الوطني فحسب هذا الداخل الذي يشهد كسوفاً على مختلف الصعد وفي كل الاتجاهات الأمر الذي يمكننا من توصيف الوضع على أنه هزيمة محققة وإن كان الذي سيشعر بمرارتها أكثر فأكثر هو الجيل الصاعد ( نزولاً ) بالرغم من صخب الإعلام الحكومي ومعزوفات أتباعه من جوقة المرخَّصين أصولاً …!؟
يا حيا الله.!