كل الدلائل تشير إلى إن أمريكا ومعها حلفائها وعملائها قد فقدت توازنها بعد مضي أكثر من خمس سنوات على عدوانها على العراق , فهم في محاولات مستمرة للجمع بين المتناقضات , بين المعقول وغير المعقول في وقت واحد , فالادعاء بحماية حقوق الإنسان والحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير المصير وهذا جزء مما سوغت به لعدوانها الهمجي على العراق والآن تستدعي الرئيس البشير للمحاكمة بسبب أحداث جنوب السودان مثلا فقد أصبحت واضحة أنها مجرد ادعاءات فارغة , فالحرية وفق المنظور الأمريكي هي تربع عملائها على رقاب أبناء شعبنا ومصادرة قرارهم وتجويعهم ونهب ثروات الشعب وعبث الشركات الأمنية والمرتزقة بحياة وأعراض الناس وسجون على غرار سجن المطار وأبو غريب في بغداد وبوكا في محافظة البصرة والديمقراطية في نظر الأمريكان هي قوائم مغلقة للعملاء على المواطن التصويت لها وقانون اجتثاث البعثيين والوطنيين وتجويع عوائلهم ومصادرة الرأي المخالف وتهجير وقتل على الهوية واستهداف القوى الوطنية الرافضة للاحتلال ولا تعني العدالة في منظور أمريكا أكثر من حرمان من الخدمات الصحية والتعليم ونقص حاد في خدمات الماء والكهرباء وغلاء فاحش في الأسعار وتعميم البطالة .
إن ما أجازته الإدارة الأمريكية التي تزعمت تحالف الشر والرذيلة إلى نفسها في العراق حرمته على الروس في جورجيا وما أجازه الجورجيون نفسهم لنفسهم بإرسال ألفي جندي إلى العراق حرموه على روسيا في دخولها إلى أراضيهم رغم إن تحالف جورجيا مع أمريكا يشكل خطرا على روسيا لأنه يساهم في نشر الصواريخ الأمريكية على حدود روسيا في محاولة لتجديد الحرب الباردة التي كانت قد انتهت مع نهاية الاتحاد السوفيتي السابق وبعد أن أصبحت روسيا تحاول إعادة أمجاد اتحادها المنحل , وتحت نفس الشعارات رفضت إدارة بوش الاعتراف بالانقلاب العسكري الحالي في موريتانيا لأنها اعتبرته انقلابا على الديمقراطية الشعبية رغم اعتراف واقتناع جامعة الدول العربية بالسلطة العسكرية الجديدة , ورغم محاولات الحكومة السودانية إصلاح العلاقات في جنوب السودان فان أمريكا تؤجج الخلافات فيها حتى بلغ بها الأمر حد استدعاء رئيس الدولة إلى محكمة الجنايات الدولية , ولذلك فان لأمريكا سياسة مفضوحة ووقحة في ازدواجية المعاير والجمع بين المتناقضات أصبحت مكشوفة لشعوب العالم فلم يبقى لها من وجهها القبيح إلا قوتها التي قاربت من الانهيار من خلال ضربات المقاومة العراقية الباسلة .
لعلنا في نظرة سريعة إلى الواقع الذي تتعامل من خلاله الدول الغربية مع منطقتنا منذ الغزو الوحشي الأمريكي نستطيع أن نؤكد ما هو ليس بالجديد فالدوافع فيما يجري من الأحداث هي إرباك المنطقة وضعضعة استقرارها لتسهيل عملية استنزاف ثرواتها من جهة ولتدعيم تثبيت وجود الكيان الصهيوني الدعامة الرئيسية لذلك وعمودها الفقري , فكما هو معروف أن مبررات ومسوغات الغزو الأمريكي للعراق قد سقطت جميعها وأثبتت الأحداث عدم صحتها باعتراف أطراف العدوان , وفي مزيد من بعثرة الأوراق وخلطها كانت مشكلة اغتيال الحريري مع ما رافقها من تدخل دولي وتوزيع الاتهامات بين هذه الجهة أو تلك في تجاهل تام لملايين العرب الأبرياء الذين قتلتهم آلات الحرب العدوانية في شتى أقطار وطنهم وحرب صيف عام 2006 بين حسن نصر الله وحزبه وبين الكيان الصهيوني الذي حاول إثبات قدراته في تدمير جزء كبير من لبنان , والخلافات الحادة داخل الحركات الفلسطينية بين فتح وحماس وحصار غزة , وبنفس الاتجاه استمر الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية يصعد من الاختلاف الظاهري بينه وبين الفرس حول المشروع النووي الفارسي والآن يتم التركيز على مشاكل جنوب السودان وكثير من الملفات الأخرى الشائكة والمتداخلة وفي تلك المحاولات كلها لا تحاول إدارة القزم المتعطش للدماء بوش إلا إقناع شعبنا العربي بأنها تساعده من اجل النهوض لبلوغ أعلى مستوى من التطور الواعي والرقي الحضاري واحترامها لحقوق الإنسان .
إلى ماذا تريد أن تصل الولايات المتحدة الأمريكية من تلك السياسة ؟
هل هي فعلا تطمح إلى نشر ما تنادي به من مبادئ في منطقتنا وما الثمن الذي تطلبه ولماذا ؟
وهل إن المجتمع الأمريكي بلغ هذا المستوى من الاستقرار واحترام حقوق الإنسان لتطبقها في أقطارنا ؟
إن أمريكا قد قامت وتطورت من خلال نظامها الرأسمال القائم على نهب ثروات الشعوب لمجرد كونها دولة قوية فكيفت سياستها ومصالحها في جميع نواحي حياتها وفق هذا النظام الذي تديره شركاتها الكبرى والتي تتربع على الاقتصاد العالمي ولا يمكنها أن تنزع هذه الفكرة من مخيلتها أو تتنازل عنها فعملت على تسليط أنظمة حكم تعمل على تنفيذ إرادتها فجعلت استقلالها اسميا من خلال ربطها باتفاقيات تسمى أمنية أو دفاع مشترك , تدير من خلالها أنظمة الحكم تلك وأي نظام تحرري يحمل مشروعا نهضويا عربيا سيقابل بعنف ليقمع وان اضطرت لتدخل العسكري والغزو المباشر كما حصل في العراق .
إن دول المعسكر الغربي تسير في
خط واضح لنهب خيرات المنطقة والإصرار على الاستهانة بشعبها العربي لا تبديل فيه ومن يعتقد غير ذلك فقد أعمى الله بصيرته فهي بكل صلف ووفق منطق القوة الذي تعمل به ترعى مصالحها التي تتطابق كليا مع وجود الكيان الصهيوني ولا يتبدل هذا المنطق بتبدل الوجوه وخير مثال يقرب الحالة ما قاله القزم بوش في آخر زيارة له إلى المنطقة بان أي اعتداء يقع على الكيان الصهيوني معناه اعتداء على أمريكا فسيقاومه ثلاثمائة مليون أمريكي إضافة إلى سبعة ملايين إسرائيلي , وبعدها مباشرة زار مشايخ الخليج فتقلد فيها أرقى الأوسمة والأنواط وكأنهم يكرموه لموقفه في قتل وتدمير العرب , فهل كان ليقول ما قال لولا انه يعلم علم اليقين بعدم وجود موقف عربي موحد وحازم ؟
خط واضح لنهب خيرات المنطقة والإصرار على الاستهانة بشعبها العربي لا تبديل فيه ومن يعتقد غير ذلك فقد أعمى الله بصيرته فهي بكل صلف ووفق منطق القوة الذي تعمل به ترعى مصالحها التي تتطابق كليا مع وجود الكيان الصهيوني ولا يتبدل هذا المنطق بتبدل الوجوه وخير مثال يقرب الحالة ما قاله القزم بوش في آخر زيارة له إلى المنطقة بان أي اعتداء يقع على الكيان الصهيوني معناه اعتداء على أمريكا فسيقاومه ثلاثمائة مليون أمريكي إضافة إلى سبعة ملايين إسرائيلي , وبعدها مباشرة زار مشايخ الخليج فتقلد فيها أرقى الأوسمة والأنواط وكأنهم يكرموه لموقفه في قتل وتدمير العرب , فهل كان ليقول ما قال لولا انه يعلم علم اليقين بعدم وجود موقف عربي موحد وحازم ؟
إن الطريق الوحيد الذي تفهمه الولايات المتحدة الأمريكية ولا يمكنها أن تفهم غيره بحكم تاريخها القذر مع شعوب العالم هو طريق القوة ومنطق السلاح الذي انتهجته المقاومة العراقية التي جعلتها تتخبط وتفقد توازنها فحولت مشروعها في المنطقة إلى كابوس ارق إدارتها وأوصلها إلى نهايتها بعد أن مرغ انف بوش بوحل الهزيمة فالمردودات العكسية أصبحت واضحة من خلال خسائرها البشرية والمادية الكبيرة المعلنة التي انعكست على سلوكيات إفراد جيشها وعلى مدى شعبية حزب بوش الجمهوري وانتكاساته المتكررة وتراجع شعبيته في الشارع الأمريكي والتي نجم عنها فقدانه لمواقعه القيادية سواء على مستوى الكونغرس أو على مستوى الإدارة الذي سيحسم قريبا في الانتخابات القادمة .