” انك تستطيع لأنك تريد Si tu veux, tu peux” ايمانيال كانط
أدخل أسامة الملولي المولود في المرسي بتونس في 1- فيفري 1984 الفرحة إلى كل الرياضيين التونسيين والعرب والمسلمين عندما افتك ميدالية ذهبية من منافسين شرسين في مسابح بيكين في اليوم التاسع للألعاب الأولمبية الأحد 17 أوت 2008 ويكون الملولي قد وعد وأوفى بوعده وأحرز ميدالية ذهبية أولى لتونس وللعرب في سباق 1500 متر سباحة حرة في زمن 14 دقيقة و40.84ثانية رغم كل الظروف النفسية الصعبة التي مر بها في الآونة الأخيرة وابتعاده القسري عن المنافسات لمدة غير هينة ورغم موجة التشكيك في قدراته بعد تعثراته المتكررة في المسابقات الأخرى التي كان له فيها حضورا بارزا في الماضي والسيطرة الأمريكية وتحطيم المتتالي للأرقام القياسية والحصد المتواصل للميداليات من طرف السباحين الأمريكيين والاستراليين واليابانيين والصينيين وخاصة الأمريكي فيليبس.
أسامة هو واحد من الشباب العربي الطموح الذي يؤمن بالعمل والمثابرة والذي تعود بالتتويج ويعشق الصعود على القمة والتغلب على الفشل ويرفض التواكل وعقلية الضياع والعجز وهو يحاول التوفيق بين دراسته في الهندسة المعلوماتية وهوايته الرياضية في السباحة وبين حبه للعلم ومتابعته للتمارين المرهقة والشاقة في الولايات المتحدة منذ عدة سنوات وقد أصبح بطلا أولمبيا سنة 2008 في اختصاص 1500متر سباحة حرة وانتخب كأحسن رياضي تونسي مرتين في 2003- 2004 .
من المعلوم أن أسامة متخصص في مسافة 400متر أربع سباحات وقد تحصل السنة الفارطة على بطولة العالم في مسافة 800 متر وقد سحبت منه في الآونة الأخيرة واتهم بتناول المنشطات رغم أنه صرح لوسائل الإعلام أن ما يتناوله من عقاقير وأدوية هي لأغراض دراسية بحتة وللتغلب على حالة الإرهاق التي تنتابه بين الحين والآخر نتيجة كثرة الالتزامات وصعوبة التوفيق بين متطلبات العقل وحاجات البدن وبين مبدأ الواقع ومبدأ الواجب خاصة وأنه قد أحرز على الماجيستير في المعلوماتية.
يتحلى الملولي في كل مرة بروح المسؤولية ويثبت توازن شخصيته ورجاحة عقله رغم كونه مازال شابا في بداية الطريق وهو محاط بالتشجيع من جميع الأطراف وخاصة العائلية وتلعب أمه دورا بارزا في حياته ولا تنقطع عن دفعه نحو الأمام والوقوف إلى جانبه ولذلك فهو يمتلك أخلاقا عالية ويمثل أسوة حسنة لأبناء جيله من الذين أثبتوا قدرتهم على المواءمة بين الأصالة والمعاصرة وبين التجذر إلى الوطن والانتماء إلى الأمة والتفتح على العالم والنهل من روح التمدن والاستفادة من العصرنة دون أي إفراط أو تفريط ودون الانبتات والوقوع في التقليد التام وجلد الذات بل بالاعتزاز والفخر للحضارة التي ما انفكت تنجب الأبطال والرموز في مختلف الاختصاصات وبما في ذلك الرياضة التي تحولت إلى صناعة وتجارة وإلى أحد أهم الأنماط الكبرى التي يوجد من خلالها الإنسان في العالم.
تشجيعنا الكامل للملولي ونرجو أن ينسج الرياضيون العرب والمسلمون على منواله وأن يثبتوا للعالم أن رغبة الإنسان في التفوق وإيمانه بضرورة تشريف بلاده وحبه لعلم بلاده وإصراره على فرض ذاته يمكن أن تتفوق على تصنيع البشر والتحكم في بدنه والبرمجة الميكانيكية للنجاح لأن الإنسان يند عن كل ضرورة ويمكن أن يتفوق على كل جبرية لأنه بالأساس وعي وحرية وإرادة وهو ليس مادة تصنع في المخابر وتخضع لتكميم رياضي ولقياس إحصائي صارم وأن العامل النفسي يمكن أن يلعب في النجاح أكثر من المؤهلات الفيزيائية البدنية.
لقد حقق الملولي انتصارا كبيرا وأثبت للجميع أنه مازال موجودا وأنه ملك السباحة العربية والمتوسطية والإفريقية وأنه سباح عالمي من الطراز الرفيع يعرف كيف يحصد الألقاب وينال التتويجات في المحافل الرياضية الكبرى ويشرف الذين يتابعون أحسن تشريف.
شكرا لأسامة الملولي الذي أثبت أن الشاب العربي حينما تتوفر له الإمكانيات وتفتح أمامه الأبواب ويلقي التشجيع فانه يبدع ويعانق الامتياز ولا ينقصه شيئا بالمقارنة مع غيره وليس مصاب بالعجز والانكماش وإنما يكتنز طاقة هامة وقوة جبارة على حب الحياة وصنع غد أفضل بالمشاركة مع الآخر.
لقد أحسن أسامة ترجمة ما جاء في الحديث الشريف:”لو تعلقت همة المرء بما وراء العرش لناله” وأملنا أن ينتقل من نجاح إلى آخر وأن يكون دائما هو وكل الرياضيين العرب والمسلمين السائرين على دربه في مستوى الآمال والانتظارات المعلقة عليهم.

60;
60;
كاتب فلسفي