تتناقل وسائل الأعلام أن رئيس الوزراء الاسرائيلي”يهود أولمرت” والذي يصل نهاية طريقه السياسي،في الشهر المقبل،قد عرض على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس،اتفاق “رف” يتم بموجبه ضم ما ساحته 7% من مساحة الضفة الغربية لإسرائيل،مستثناة منها القدس والأغوار والطرق الالتفافية،وعلى أن يعوض الطرف الفلسطينيين عن ذلك ب5،5 % أراضي في منطقة النقب،مؤجلة لحين حل مشكلة سيطرت حماس على القطاع،والخطورة ليست في عدم العودة لخطوط الرابع من حزيران عام 1967،بل أن ما هو أخطر من ذلك،هو ضرب أحد اهم مرتكزات البرنامج الوطني الفلسطيني،الا وهو حق العودة،حيث ما سرب عن اتفاق “الرف” هو الموافقة على عودة عشرين ألف لاجيء فلسطيني على مدار عشر سنوات الى فلسطين عام 48 ،تحت بند حالات انسانية،والغاء حق العودة لأكثر من 4 ملاين لاجيء فلسطيني،وحتى عودة العشرين ألف ولمدة عشر سنوات،فهي لا تلقى قبولاً ودعماً من أبناء حزبه”لأولمرت” وشركاءه في الحكومة،”وليفني” المرشحة الأقوى لزعامة “كاديما”،ترى أنه لا يجب التوصل الى اتفاقيات مع الجانب الفلسطيني تحت ضغط الجداول الزمنية،وهي على غرار بقية الجوقة من زعماء اسرائيل السابقين واللاحقين،تقول فلتتواصل المحادثات مع الفلسطينين،ولا ضير في ذلك،ولو لخمسة عشر عام أخرى،وحينها تكون اسرائيل قد استكملت خطواتها ومشاريعها على الأرض،ولا يوجد بعدها ما يبرر استمرار التفاوض عليه،ناهيك عن أن”ليفني” قالت بشكل واضح وصريح أنها ستقف بكل قوة ضد حق العودة للفلسطينيين،ولا عودة سوى”للكانتنونات” التي تخليها اسرائيل والمسماة بالدولة الفلسطينية،وحتى هذه الاتفاقيات المذلة والهزيلة،اسرائيل غير قادرة على تطبيقها،حيث أنه بعد الحرب العدوانية الاسرائيلية على لبنان تموز/2006 ،وما أفرزته من تداعيات على الساحة الاسرائيلية،هذه التداعيات التي تشير بشكل واضح لغياب وأفول نجم القيادات التاريخية في اسرائيل والقادرة على اتخاذ قرارات استراتيجية ومصيرية،كما هو الحال عند رؤساء وزراء سابقين من أمثال”غولدا مئير”و”مناحم بيغن” و”شامير” ورابين” وأخيراً البلدوزر أو ما يطلق عليه لقب ملك اسرائيل”شارون” والذي ما زال في غيبوبته التي دخلها،بعد أن أوصل حزبه الجديد”كاديما” الى القمة،والذي تشير استطلاعات الرأي أنه يشهد حالة من التراجع والانهيار،والذي يصل حد التفكك والتحلل،والدخول في حالة من الغيبوبة كحالة صاحبه ومؤسسه.
حالة الغيبوية هذه لا شك أنها جاءت كنتيجة للحرب العدوانية على لبنان والمقاومة في تموز /2006،والتي جاءت نتائجها على شكل هزيمة عسكرية أقرت وأعترفت بها لجان التحقيق الرسمية والشعبية وبالذات لجنة”فينوغراد”،وهي أيضاً لم تنجح تلك الحرب والتي قال وزير الدفاع الاسرائيلي”بارك” عنها أن اسرائيل دفعت ثمن قلة تجربة وخبرة قادتها في هذه الحرب،وهذا ليس له من الصحة بشيء،فهو المجرب والخبير وصاحب الباع الطويلة في المذابح والمجازر،جر أذيال الهزيمة والفشل في عام 2000 ،والحرب لم تنجح أيضاً في كسر ارادة المقاومة وحزب الله،بل على العكس من ذلك فقوة ودور الحزب يتعززان ويتعاظمان،ليس على الساحة اللبنانية فحسب، بل وعلى المستويين العربي والاسلامي ،كما أن تداعياتها طالت الكثير من القيادات العسكرية والسياسية منها على سبيل المثال لا الحصر قائد المنطقة الشمالية ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان،والأمر ها هو يصل رئيس الوزراء”يهود أولمرت”وان بدت الصورة على أساس فضائح الفساد والرشاوي،ناهيك عن أن من تداعيات الحرب تلك،أنها قبرت مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي نظرت له وزيرة الخارجية الأمريكية”كوندليزا رايس”،والذي على أساسه خاضت اسرائيل لأول مرة في تاريخ حروبها حرباً بالوكالة عن دولة أخرى،ألا وهي الولايات المتحدة الأمريكية.
وتداعيات حرب تموز العدوانية/ 2006 ،وكما قال الشيخ حسن نصر الله وضعت اسرائيل أمام معدلة وأزمة القيادة التاريخية،هذه القيادة التي تصل نهاية طريقها السياسي،غير متوقع لها أن تكون قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية،حتى اتفاق “الرف” الذي تحاول وتستعجل الادارة الأمريكية فرضه،في الوقت المستقطع المتبق لها،والذي تسعى من خلاله ،أن تسجله كانتصار لها في سياستها الخارجية،والتي تمنى بهزائم متلاحقة أخرها الخسارة الثقيلة في جورجيا،بهدف تحقيق نتائج معقولة للجمهورين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.
ان وصول كل الأطراف الى الوقت المستقطع والضائع في مستقبلها السياسي،أمريكياً واسرائيلياً وفلسطينياً،يشير بكل وضوح الى عدم قدرة هذه الأطراف،على ترجمة أي اتفاق سياسي على أرض الواقع فالاتفاق الذي ترى فيه أمريكيا انجاز لها ولمشروعها ورؤيتها السياسية، قد تعني الموافقة عليه واقراره ،خسارة سياسية لأطراف أخرى،وبالذات قادة حزب”كاديما” والذين يرون أن مثل هذا الاتفاق قد يعني خسارة في شعبيتهم وتمثيلهم في البرلمان”الكنيست”،في الانتخابات القادمة،وخصوصاً وهم يشعرون أن القيادة الأمريكية والتي دخلت نهاية طريقها السياسي،غير قادرة بالضغط عليها أو تمرير هذا الاتفاق،وفي ظل مج
تمع اسرائيلي رافض للسلام مع الفلسطينين،والذي في استطلاعات الرأي الأخيرة 59% من الجمهور الاسرائيلي،يرفضون أية مفاوضات سلمية مع الجانب الفلسطيني.
ناهيك عن أن الطرف الفلسطيني،والذي لديه من المشكلات ما يكفيه،فعدا عن حالة الضعف الداخلي،وما يعانيه المجتمع الفلسطيني،من انقسام جغرافي وسياسي،فهذا الطرف أيضاً يقترب من نهاية طريقه السياسي،وأي اتفاق قد يتوصل اليه،غير قادر على تطبيقه والالتزام به،وهذا يعني أن هذا الطرف الفلسطيني،قد يضطر لإعادة النظر في خياراته،ويعلن تخليه عن نهجه التفاوضي المارثوني والعبثي،أو أنه قد يصر على الاستمرار في هذا الخيار والنهج،وما يترتب عليه من تبعيات ومخاطر على الحقوق والثوابت الفلسطينية،والذي قد يدفع بالساحة الفلسطينية،نحو المزيد من الشرذمة والانقسام والانتحار الذاتي.
ان اتفاق”الرف” هذا يؤشر الى عدم رغبة الطرف الاسرائيلي في التوصل الى اتفاق سلام جدي،يلبي حتى الحدود الدنيا من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،وفي ظل مجتمع وقيادة غير ناضجتين لصنع السلام،فإنه لا يلوح في الأفق أي اتفاق سياسي،وسنعود للدوران في نفس الحلقة المفرغة،ورهن الحقوق الفلسطينية والعربية،لنتائج الانتخابات الأمريكية والاسرائيلية،والتي لا تعني عودة الى المربع الأول فقط،بل وفتح الاتفاق وما هو متفق عليه على نحو أشد سوء وهكذا دواليك.
راسم عبيدات
القدس- فلسطين
15/8/2008
Quds.45@gmail.com