رداد السلامي
في اليمن إذا أردت أن تكتشق حقيقة و طبيعته الصراع السياسي وتستشف
رداد السلامي
في اليمن إذا أردت أن تكتشق حقيقة و طبيعته الصراع السياسي وتستشف ملامح المستقبل، ما عليك إلا أن تتجه نحو أبسط ” مقيل قات” في صحيفة يمنية حزبية أو مستقلة ، وتستمع لمناقشات المثقفين والصحافيين ورؤساء التحرير والمحررين ، لتجد ما يبدد تفاؤلك ، فهم منشغلون بالشتائم والقدح والردح والسب فيما بينهم ، أو مع وضد السلطة والمعارضة ، غارقين في ولاءات سياسية ملغومة بالصراع والتوظيف ، مشتتين ما بين سلطة تدر المال الوفير على البعض ، وبين معارضة ، ومشائخ وذوي نفوذ، وقوى عسكرية.
لم تعد الأعمال الصحفية بالمعنى المهني هي السائد في ما تنشره الصحف ، بقدر ما تحتل المزايدات والمكايدات السياسية الحيز الواسع ، فيما تنزوي المادة الصحفية الحقيقية في إطار ضيق وهامش لا يتسع لسطور قليلة تحكي معاناة مواطن أو طفل شريد أو سجين ، أو معتدى عليه .
في اليمن صحافة تدار بالمزاج والكيفية التي تتواءم مع صناع القرار والنافذين ، وما أن تتعرض شخصية للقدح أو الردح من قبل كاتب في صحيفة ، أو الصحيفة ذاتها ضد شخصية نافذة أو سياسية في السلطة أو المعارضة او الجيش ، حتى تنبعث صحف مستقلة وحزبية ورسمية للرد أو كتاب وصحافيين يعملون فيها ، للدفاع عن تلك الشخصية وقدح الكاتب أو الصحيفة القادحة ، وإظهار هذه الشخصية ، بصورة أسطورية خارقة للعادة وقلما أنجبت البلاد مثلها..!!، وهناك صحفيون أثرياء لأنهم يعملون لصالح داعمين كبار في السلطة أو الجيش ، أو ذوي نفوذ من زعماء المشائخ قي السلطة والمعارضة ، فيما المواطن اليمني يزيف وعيه وتصنع له هذه الصحافة زعامات مقدسة في وعيه المغيب عن حقيقية لعبة الصراع السياسي ، وبدلا من أن ترتقي الصحافة في اليمن بوعي الناس وتصنع وعيا جماهيرا ناقدا ، متسلح بثقافة الدستور والقانون والديمقراطية تصنع وعيا زائفا عصبويا مؤدلج ، وخانعا يلتف على مصالحه ، ويسيء الاختيار في الانتخابات ، ليصعد شخصيات غير مؤهلة إلى البرلمان والمجالس المحلية والرئاسة ، ولا تهتم بمطالبه واحتياجاته ، وتحقيق الحد الأدنى منها ، كما انتشرت ظاهرة الشتائم بين الصحافيين ذاتهم والدسائس ، وأوهام المؤامرات ، وتحول البعض إلى أدوات استخدام وأقلام صراع على صدور الصحف ، وهو ما أدى إلى المزيد من تفشي صفراوية الصحافة وتلاشى الإحساس بها كمنابر مهنية ، هدفها خدمة المواطن ، وكشف مكامن الخلل في السياسات التنموية ، والإدارية ، وانتشار الفساد بشكل مخيف، ومعه يزداد التخلف ، ومعاناة المواطن اليمني المسحوق بالفقر والجرع والظلم بشقيه الاجتماعي والسياسي ، وأصبحت الديمقراطية آلية مجذرة للفوضى في البلاد ، وأداة مختلة ، وعديمة الجدوى في إحداث تحولات حقيقية .الصحافيون تحولوا إلى طبقات مختلفة وتابع ومتبوع ، وانتهازي ، وهو ما أدى إلى مزيد من تفشي حالة الخمول في الوعي الجماهيري ، وغياب الحقيقية ، واستشراء المعلومة الملغومة بالزيف ، وعدم الحيادية . وتكلس حركة الاحتجاج والممانعة ، وبالتالي هناك صحفيون رغم أنهم محسوبون على المعارضة وينتمون اليها الا انهم يلعبون لعبة المخاتلة وتلميع رموز وشخصيات سلطوية او نافذة معروفه بقسادها واستبدادها ، فقط من أجل مصالح ومغانم ، بينما الصحفي الذي يسعى الى كشف الحقائق وتقديم المعلومة الحقيقية ، وخلق وعي جماهيري مستنير يحارب ويتهم في الغالب بالجنون ، يقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني نجيب غلاب “في ظل هيمنة السياسي وتفضيله للمثقف المستعد لتقديم خدماته فأن المثقف الواعي في لعبة السياسة يعاني الأمرين من الواقع ومن وعيه المرفوض وهو في الغالب مشرد يبحث عن قوت يومه، لأن الجميع يحاربه وأعظم أعدائه السياسي الجاهل والمثقف السطحي الانتهازي الذي يعيش في بحبوحة من العيش. لذا سنجد عصام القيسي كمثقف حقيقي يعمل لصالح التغيير الثقافي الخادم للمجتمع وتقدمه يتعامل معه الإصلاح كعدو فيحاصر وينبذ ويلعن لأنه لا يخدم مصالح النخبة رغم استناد خطابه على رؤية دينية، وبعد طرده من مؤسسات الحزب التجارية، تُوظف السطحية الثقافية والمعرفة المباشرة المنتجة في الماضي الغابر لتدمير المثقف الواعي خوفا من أن يخترق خطابه البنية المنغلقة للفكر الأصولي جوهر شرعية السياسي وأداته في بناء نفوذه وهيمنته.
ويؤكد غلاب ” أن أزماتنا العديدة والمتفشية في كل جوانب الحياة يشارك في تعميقها وإعادة أنتاجها سياسي أناني ومثقف تابع، فالحروب والمظاهر المختلفة للصراع في الساحة السياسية مثلا تديرها نخب مت
ناقضة مصالحها وهي في صراعها يخدمها مثقف أو داعية وعلى الرغم من قناعة المثقف أن هاجس النخب السياسية الوحيد في الحكم والمعارضة هو مصالحها لا مصالح الشعب إلا أن المثقف هو من يلون صورة قيادته بالقيم، ويبرر أدعاتها بأنها تمثل مصالح الشعب حتى وأن كانت نتائج أفعالها مناقضة لمصالح الناس وفي المقابل يبذل كل طاقته المثقف لتشويه صورة الخصم وينفي تمثيله للشعب حتى وأن كانت أفعاله إيجابية وخادمة للتطور والتقدم.”
ناقضة مصالحها وهي في صراعها يخدمها مثقف أو داعية وعلى الرغم من قناعة المثقف أن هاجس النخب السياسية الوحيد في الحكم والمعارضة هو مصالحها لا مصالح الشعب إلا أن المثقف هو من يلون صورة قيادته بالقيم، ويبرر أدعاتها بأنها تمثل مصالح الشعب حتى وأن كانت نتائج أفعالها مناقضة لمصالح الناس وفي المقابل يبذل كل طاقته المثقف لتشويه صورة الخصم وينفي تمثيله للشعب حتى وأن كانت أفعاله إيجابية وخادمة للتطور والتقدم.”
وتلك هي مأساة اليمن التي لا تقل عن مأساة النظام السياسي الذي أوجد كل هذه الفوضى ، ليصبح الصحفي والمثقف جزء منها.
*صحفي يمني