هناك من يقوم باغتيال الشخصية بعد بروزها وظهورها وظهور تأثيرها على المجتمع، وهناك من يغتالها قبل ولادتها وهو ما يسمى بالاجهاض وهناك من يغتالها بمجرد ظهورها وهو ما يسمى بوأد الشخصية، وتجنبا للخوض في التسميات والتفاصيل اخترت عنوان الاغتيال كعنوان جامع ويؤدي الى المعنى الكامل لكل التفاصيل الاخرى وقبل ان اخوض في الموضوع ساقول هذه الحكاية التراثية: اذ يحكى ان غرابا وعندليبا قد اختصما ايهما صوته اجمل واعذب، وعندما اشتد بينهما الخصام قررا الاحتكام الى اول عابر من الغابة بشرط ان ينقر الفائز بالتزكية عين الخاسر.. وانتظرا فاذا بخنزير يمشي الهوينا بتثاقل، فطرحا على اسماعه قضيتهما، فطلب منهما ان يسمعاه صوتهما فارتقى العندليب شجرة وغرد وغنى فابدع ورقصت الغابة على انغامه، وعندما انتهى ارتقى الغراب جيفة ونعب فارتجت الغابة وارتعدت فرائصها لقبح ما سمعت.. وبعد ذلك قال الخنزير كلمته الفاصلة وهي ان صوت الغراب اجمل من صوت العندليب فقفز الغراب ونقر عين العندليب فخرجت على منقاره، وهنا بكى العندليب، فقال له بسخرية: انت تبكي لان صوتي اجمل من صوتك ولاني اوفيت الشرط ونقرت عينك، اليس كذلك؟ قال: لا، ولكن لاني قبلت ان يحكم الخنزير بيني وبينك!! هذه هي الحكاية، والمبدع الحقيقي هو الذي يستطيع الوصول الى قلوب الناس بفنه وعلمه، وكفاءته ومقدرته فهذا وامثاله محجوبون من اخرين لا يستطيعون الا الهدم والدمار فلا يمكنونهم من المنابر، والمكاتب وادارة الاعمال التي تحتاج اليهم، ويضعون شخصيات مهزوزة مهترئة تتكيء على امجاد بالية حينا وعلى متنفذين احيانا اخرى، ولكل مسؤول افة ابتلاه الله بها، فهو اما مرتش افته المال واما سادي افته تعذيب النفوس واما مغرور افته النرجسية واما فحل افته النساء.. وعلى هذه المقاييس نقيس، فتظهر كل امراض وافات المجتمع المتنامية الظاهرة مثل الطفح!! ان المبدع الحقيقي يعيش وحيدا ويموت وحيدا لا عزاء له!! كم من فنان مبدع عرفته منذ سنين بعيدة صار نسيا منسيا لان المسؤول فلانا لا يريده ويقدم غيره، او لان اللجنة الفلانية ارتأت انه لا يناسب العصر والزمان فلفظته يلعق جراحه النازفة وحرمت الامة من ابداعه وثقافته!! واذا ما ظهر بين جماهير الناس اثنت عليه الثناء الحسن وتساءلت: من جفف هذه الينابيع؟ والحقيقة انهم فئة من نوع الخنزير الذي حكم على صوت العندليب بالرداءة مقابل صوت الغراب والغى شهادة الغابة ومن فيها التي شهدت لصالح العندليب!! ان اغتيال واجهاض ووأد الشخصية من الامور الشائعة في هذا الزمان، وصار شعار المرحلة ان الرجل المناسب ليس في المكان المناسب، وان كل وظيفة تخضع لحسابات اخرى غير الحسابات التي يجب ان تكون، لم يعد النظر «ستة على ستة» شرطا للسائق ولم يعد التسديد شرطا للقناص ولم تعد اللغة شرطا للمترجم، ولم يعد الصوت شرطا للمطرب ولا اللياقة شرطا للرياضة! عندما يختلط الحابل بالنابل تختلط الفوضى بالنظام، وتضيع الطاسة في الزحام.. وهنا يعتزل اولو العلم والثقافة والمنطق لان المنطق انعدم، ويخلو الميدان لحميدان، وهنا يصبح الزلزال، ويسود الرويبضة.. وللرويبضة في حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث اخر وقد نتطرق اليه ان شاء الله.
الداعي بالخير : صالح صلاح شبانة