صالح صلاح شبانة
يحكى أن صياداً اصطاد سمكة ولفها في عباءته وذهب إلى الجدول لعله يصطاد غيرها ، فمر من هناك رجل بسط العباءة فوجد السمكة ، فأخذها وشواها وأكلها ، وفيما هو منصرف رأى حرذوناً ، فضربه فقتله ، فلفه مكان السمكة ، فعاد الصياد من غير أن يوفق إلى شيء من السمك و[قد إهترأ من الجوع]فلما فرد عباءته وجد الحرذون المقتول ، فأخذه فشواه وأكله وهو يقول [أنا خابرك سمكه]!!!!!!!!!
للحكاية وجهان ، الوجه الأول يدل على الغباء ، والأغبياء أكثر من الهم على القلب ، وتصرفاتهم الغبية ليست بحاجة إلى تبرير ، فمنها ما يقضي على أفراد ومنها ما يقضي على أمم ، ولعل أعظمها بشاعة وأكثرها سوادا ما حدث في العراق ، حيث أحضروا أعداء العروبة والإسلام طمعا بحرية زائفة سوداء فحملت لهم الطاعون الحديث(الإيدز) ، وحملت لهم الموت الزؤام ، والقتل اليومي دون استثناء ، وميتما في كل بيت عراقي ، وامتهن الفنانون الذين ملأوا الأرض فنا راقيا إلى نائحين على العراق ومصيره بأيدي رعاة البقر ، والصور والمعاني أكثر من أن تعد وتحصى ، في مشارق الأرض ومغاربها ، ولن يتركوا العراق حتى يسرقوا كل حضارته وتراثه وثرواته ويتركوه خرابا يبابا ، مدمرا تنعق فيه البوم والغربان وكل الأجيال العربية اللاحقة تلعن هذه الزعامات التي أضاعت الأمة كما نلعن دول الطوائف التي أضاعت الأندلس .
أما الوجه الأخر فهو لا يقل سوءا عن الوجه الأول ، وهو الجوع الذي يوصف دائما بالكافر ، الذي يعمي البصائر والأبصار ويفجر الثورات ، ويموت الناس في سبيله عن طيب خاطر .
إن ما دفع الرجل لأكل الحرذون هو الجوع دون أن يميز أنه من الزواحف وله جلد سميك وأرجل وأيدي وذيل طويل ، وإنه برّي وليس بحرياً كالسمكة ، وأن الفرق شاسع بين لحمه وبين لحم السمكة ، وكأنه لم ير طلاب المدارس الكسالى البلداء (تيوس المدرسة) يصطادون الحراذين ويذبحونها ويغسلون أيديهم بدمائها ليفقدوا الإحساس بضرب العصي زمن المدرسين السفاحين الذين لم يأمنوا إلا بالعصا والجَلد وسيلة للعلم فأوجدوا أجيالا من الأمة المهزومة التي تتلقى الضرب والإهانة ، وتبحث عن دم الحراذين كوسيلة للبلادة !!!
الجوع هو العدو الذي يتربص بالأمة ، وهي تنتمي لأغنى أمم الأرض ، ولكن ثرواتها لا تتوزع بعدالة لأنها تخضع لزعامات ليس لهم سيادة على ما يملكون ، وأنهم مجرد فزاعات لتخيف العصافير والطيور ، ولا تفعل ذلك لأن الطيور أكثر ذكاء من الشعوب العربية !!!
[أنا خابْرَك سمكه]، عبارة تاريخية مموهة بين الغباء والجوع ، ولكنه تنتمي للجوع أكثر ، حيث هناك حكاية أخرى نرويها عن الحرّاث لندافع عن الصياد ، إذ أراد الحرّاث أن يستريح ويأكل شيئا يتقوّى به على العمل ، وكانت معه صرة (قطين) ، وهو التين المجفف ، لمن نسوا الزبيب والقطين ، وقبل أن يتناول أول حبة بال البغل على الصرة فأغرقها ، وهنا غامت نفسه عليه وتمتم وبرطم وسب وشتم البغل واصله اللئيم ، ولف سيكارة هيشي دّخنها بقرف لأنها نازلة على معدة فارغة ، وبعد أن انتهى من التدخين تناول حبة قطين ونفضها من بول البغل ، وسأل نفسه (يا ترى صابها )؟ وأجاب نفسه (لا والله ما صابها) ، ثم ألقاها في جوفه ، والثانية والثالثة والعاشرة ، حتى أتي على كل الصرة ، فمن دفعه إلى ذلك إلاّ ما دفع الصياد إلى أكل الحرذون مشويا ، ولو لم يجد نارا لأكله نيئا ، كما فعل الإعرابي الذي زار الفلاّح وكان عنده شجرة تين ، صعد الإعرابي على الشجرة وبدأ يأكل حتى امتلأ ، وعندما نزل قال : (أكلت مع التين إشي مثل اللحم وبيه إشي مثل العظم ) ، فهتف الفلاح قائلا (ليكون يا مسخم يا حريك الوالدين والشاهدين أكلت حرّباه) ،فرد الإعرابي بلا إهتمام( حرباه ولاّ مرباه ، حرّباها البين وتحربنت) !!!!
ولو أردنا سرد القصص والحكايات التي يصنعها الجوع والغباء لما انتهينا .
الداعي بالخير صالح صلاح شبانة