إن وضوح المفاهيم ومقاربة تكييفها مع الواقع الذي يشكل مضمونها، من شروط نجاحها في أي مجال ندرس من خلالها بنيته ونحاول تجاوز معيقاته المنهجية وترميم قنواته العقلانية وتحيينها مع العصر الذي أنتجت خلاله أو أعيد إنتاجها (عملية التفريغ في المعنى وإعادة الشحن) ، دون الغوص في الجزئيات أو العالم الميكرومفاهيمي وجينيالوجيا المفهوم، فمن يبالغ في التدقيق قد يتيه عن الصواب.
وبتأملنا لأزمة المفاهيم في الخطاب التربوي المغربي، نجدها ناتجة أساسا من سرعة إنتاجها و أجرأتها، دون وضع الشروط الذاتية والموضوعية لإنتاج مشروع تربوي يكيف المفهوم مع الوسط أو المنظومة المستهدفة أو قوانينها الداخلية انطلاقا من دراسة سوسيولوجية شمولية وسيكولوجية شاملة، وأنتربولوجية ولسانية …أي انطلاقا من عقلانية شمولية تنسجم مع الفلسفة العامة للمجتمع المغربي وبنيته الديموغرافية والاقتصادية والثقافية والدينية بل وحتى حمولاته الخرافية وأساطير اللاوعي الشعبي، فعندما اقتبسنا بيداغوجيا الأهداف (O.P.P) من النظام التربوي الأمريكي أساسا، الذي نقلها بدوره من عالم الاقتصاد إلى عالم التربية،كنا نسطر أهدافا للمنهاج التربوي إلى جانب غايات ومرامي انتهاءا بالأهداف الإجرائية والخاصة في حجرة الدرس،لكن عجز هذه البيداغوجية عن مسايرة الركب الحضاري العالمي تربويا،جعلنا نتبنى بيداغوجيا الكفايات،بتسطير قدرات ومهارات وملكات للفئة المستهدفة من المتعلمين،من أجل إنتاج تلميذ كفؤ، منفتح، متشبع، بما يكفي من كفايات لتسهيل اندماجه في مجتمعه … كل ذلك شيء جميل ! لكن أين نحن من توفير الشروط الموضوعية المادية لتحقيق ما تم التنظير له، كيف نستطيع تحقيق «الجودة في التعليم» وما زلنا لم نضع خطة تربوية واضحة لتكوين هيئة التدريس وإمدادها بكل وسائل إنجاح أهداف المشروع التربوي الوطني ومقتضيات ميثاق التربية والتكوين والكتاب الأبيض … ما العمل ! ونحن نعيش تفقيرا للمؤسسات التعليمية العمومية من الوسائل المادية والمعنوية لتحفيز الرأسمال البشري لتحقيق ما نصبو إليه، لماذا احتل المغرب مرتبة متأخرة في ترتيب الدول بشأن التعليم ؟ لأن هناك هوة ما بين مركز القرار والفروع على مستوى التطبيق،إلى جانب عدم إشراك هيئة التدريس في إنتاج المشاريع التربوية والنقابات التعليمية كذلك لأنها شريك مركزي في العملية التربوية وليس فقط مهمتها تسطير الملفات المطلبية كما يروج عادة، والطامة الكبرى أن المؤسسات العمومية هي أحوج إلى الدعم المالي، والحكومة صرفت 30 مليار سنتيم على وضع «مخطط استعجالي» ما زال في مرحلة الوجود بالقوة أما إذا انتقل إلى الوجود بالفعل فكم سيصرف يا ترى !!
بوغولــــــيد رشــــــــيد : كــــــاتب ومــــــفكر مــــــــغربي
للمزيد من المعلومات المرجو الاتصال :
E Email : [email protected]
E GSM : 067.49.10.09