زكريا النوايسة
أيها الغيم الأبيض تحمل على كفيك نورساً اغتالته الدروب الطويلة . أيها( الأطلسي ) يعود محمود ليَعبُركَ جميلاً وادعاً كما هو دائماً .وغصن زيتونٍ ودحنون الكرمل ودعوات أمه تُنير قمر منفاه الأخير. يا أم محمود ها هو طائرك المحلّقُ يودع جناحيه ، ومن ريشه يلون لنا الأثيرومن خفقات قلبه الواهنة يكتب قصيدته الأخيرة. يا أم محمود ها هو يبحث في تراب القبر عن ابتسامتك الأثيرة ، ويفتّش عند جذر الزيتونة عن ثوبك المطرِّز أو ضفيرة خبَّأتّها يداكِ حتى اذا ما عاد نامتْ عينه قريرة ،فاحتضني صغيرك ، فما زال حنينه لخبزك الطيب يشتعل في حنايا قلبه الموجوع ،حتى ساعة الرحيل ، ليغمس روحه بمداد العمر المُعذّب ويكتب وصيته – يا أمي- لا أبدلك بسواك حتى لو نامت تحت أقدامي كل نساء القبيلة. أحنُّ إلى خبزِ أمّي
وقهوةِ أمّي
ولمسةِ أمّي
وتكبرُ فيَّ الطفولةُ
يوماً على صدرِ يومِ
وأعشقُ عمري لأنّي
إذا متُّ
أخجلُ من دمعِ أمّي
خذيني، إذا عدتُ يوماً
وشاحاً لهُدبكْ
وغطّي عظامي بعشبٍ
تعمّد من طُهرِ كعبكْ
وشدّي وثاقي..
بخصلةِ شَعر..
بخيطٍ يلوّحُ في ذيلِ ثوبكْ كيف كنت – أيها الطائر – تطير؟ أكان لكَ جناحان كما كل العصافير ؟ أم كنت تستعير جناح القصيدة فتغدو السماء كالحرير ؟ تعجنُ نفسك بدمع الأرض المكلومة ، فتَنبُتُ زعتراً برياً وحقلا من قصائدتبحث في شقوق الذاكرة عن بقايا الرحلة القديمة وتُنقّبُ في زوايا الروحعن بوح السماء للأرض المباركة، لتعود في كل مرة كالفينيق ينفض عن جناحيه رماد السنين، لتهدينا حين يكتمل القمر بدراً قصائد بنكهة الشهداء ، وكلمات يغار منها الرصاص. وليكن
لا بدّ لي أن أرفض الموت،
وإن كانت أساطيري تموت
إنني أبحث في الأنقاض عن ضوء، وعن شعر جديد
آه… هل أدركت قبل اليوم
أن الحرف في القاموس، يا حبي، بليد
كيف تحيا كل ّهذي الكلمات!
كيف تنمو؟… كيف تكبر؟
نحن ما زلنا نغذيها دموع الذكريات
واستعارات… وسكّر! تطوي اليوم – يا محمود – صحائف الاغتراب ، وتُرخي الأصابع عن قلم المنافي لتقبض على حجر صِغْتَهُ ذات يوم قصيدة وأسْلمتَهُ لإيمان الصغيرة ،فتورَّد على الثغرِ الصغير ابتسامةً ، وعلى صفحة الزمن المتوحش خطَّّت به درباً للمسيرة. وطني! يعلمني حديد سلاسلي
عنف النسور، ورقة المتفائل
ما كنت أعرف أن تحت جلودنا
ميلاد عاصفةٍ… وعرس جداول
سدّوا عليّ النور في زنزانةٍ
فتوهّجت في القلب… شمس مشاعل
كتبوا على الجدران رقم بطاقتي
فنما على الجدران… مرج سنابل
رسموا على الجدران صورة قاتلي
فمحت ملامحها ظلال جدائل