مع حلول كانون الثاني القادم سيحزم محمود عباس حقائبه مغادرا رئاسة السلطة مع انتهاء ولاية حكمه المستمرة لمدة اربع سنوات، وفق القانون الاساسي” الدستور المؤقت”، حسب المادة 36 والتي حددت فترة رئاسة السلطة بأربع سنوات ، ومن ثم فأن رئيس المجلس التشريعي يستلم الرئاسة لمدة ستين يوماً من اجل التحضير لانتخابات رئاسية او نائبه، وذلك وفق المادة السابعة والثلاثين من الدستور… هذا ما يجب ان يحدث وفق القانون والمنطق، ولكنه بنفس الوقت حلما لن يتحقق على ارض الواقع. حلم لن يتحقق على ارض الواقع.. حيث فريق السلطة في رام الله من الان وعبر رجال القانون والقضاء يعملون ليل نهار من اجل تشويه القانون الفلسطيني ،وخلق الحيل والمكائد للالتفاف على المواد الاساسية للدستور من اجل التمديد لولاية محمود عباس والتي تنتهي في التاسع من كانون الثاني القادم، في مجزرة جديدة ضد القانون لن تكون هي الاولى بالطبع، جميعنا نتذكر الاجراءات اللاشرعية، والمراسيم التي صدرت قبل ذلك لتشكيل حكومة طوارئ في رام الله والتي كان مقررا ان تنتهي ولايتها بعد شهر من تشكيلها ، والتي ما انتهت الى الان، وما زالت تحكم بأسم الشعب بصورة غير شرعية ولا قانونية حيث لم تحصل على ثقة المجلس التشريعي المنتخب من قبل الشعب . المشهد على الارض سيكون كالتالي: محمود عباس يريد ان يغادر الرئاسة بسرعة كبيرة هو يتمنى ذلك ويريده لانه يدرك مدى الفشل والخيبة من اربع سنوات عجاف في الحكم، وقد قال ذلك لبوش مؤخراً” لن أترشح لولاية ثانية، ما دام هذا هو موقفكم، وفتشوا لكم عن غيري ،هل تريد ابقاء حكومة اولمرت على حسابي وعلى حساب شعبيتي ومصيري..؟ أنا لن اترشح لولاية ثانية نهاية العام الحالي، ما دام هذا هو موقفكم، وفتشوا لكم عن غيري يتولى رئاسة السلطة”. اذا كان هذا موقفه فأن تل ابيب وواشنطن سيسعدها ان يغادر عباس حكم السلطة لتستعيض عنه بشخص اكثر هرولة وتطبيعاً ، يحقق لاسرائيل ما تشاء من امن وتواطؤ وتنسيق امني ولوجستي اكثر من عباس، ولن يتعبا في البحث طويلاً فهم “اكثر من الهم على القلب”، والاحتمال الثاني وربما يكون من اجل الصورة القانونية امام الرأي العام، هو اجبارعباس بالقوة للبقاء في منصبه والتمديد لفترة حكمه عام اخر مع عدم التقدم في العملية السلمية، حين تكون اسرائيل والولايات الامريكية منشغلات بانتخاباتهما الرئاسية… وسلطتنا وكيث دايتون منشغلين بتأمين الامن وتوفيره لدولة صهيون. هذان الاحتمالان هم الاقرب الى ارض الواقع، في ظل عدم القدرة على اجراء انتخابات رئاسية في الارض الفلسطينية، في ظل الانقسام الفلسطيني، وعدم تصور فريق السلطة ان تنتقل الرئاسة بصورتها القانونية الى رئيس المجلس التشريعي او نائبه( حركة حماس ، عدوهم اللدود) هذا الوضع ان حدث، من شأنه ان يكرس واقع شديد الخطورة على القضية الفلسطينية بكل جزئياتها وتفاصيلها ، وستكون له نتائج مستقبلية مدمرة للحلم الفلسطيني، فهو يعني ان المجلس التشريعي سيعلن نائب رئيس المجلس التشريعي احمد بحر رئيسا للسلطة الفلسطينية، وبالتالي فأن المجلس التشريعي وحركة حماس لن تعترفا بمحمود عباس او من يخلفه كرئيس للسلطة ، بالمقابل فأن فريق السلطة سيعمل على خلق قوانين من تحت الارض لابقاء عباس او احضار غيره لرئاسة السلطة، لنستيقظ في العاشر من كانون الثاني على حكومتان احداهما انتخبها الشعب والاخرى جاءت من علم الغيب، ورئيسان للسلطة احداهما وفق القانون، والاخر وفق متطلبات الامن الصهيوني ورؤية كيث دايتون. هذا المشهد السوداوي الذي يخشى من رؤيته ذات يوم، يرى الكثير ان المخرج الوحيد منه هو بالعودة الى طاولة الحوار الوطني، عباس يدرك انه غير محبوب لدى قيادات السلطة لانهم مربوطين بمصالح شخصية مختلفة مع جهات عدة” كل يغني على ليلاه”، وانه قد خيب ظن الشارع الفلسطيني به، لم يحقق شيء من وعوده الانتخابية، تل ابيب وواشنطن لم يمنحوه شيئا وهم يجرجرونه من لقاء الى مؤتمر، الاستيطان يتعاظم ويلتهم مزيداً من الارض، القدس في مهب الريح جراء التضييق والحصار، الجدار التهم الضفة الغربية، معالم الدولة الفلسطينية ذهبت مع الريح… عباس يدرك ان ولاية حكمه كانت كارثية بمعنى الكلمة للشعب الفلسطيني وقضيته ، ويدرك ان واشنطن وتل ابيب ومنسقهما الامني كيث دايتون لا يأبهون به، وان هناك من يحضر نفسه لاعتلاء الرئاسة بحيث يكون قادراً على التنازل والتفريط بما تبقى من هذا الوطن. عباس يعلم ان التاريخ لن يرحمه وسيبقى شاهداً عليه طويلا، هو الان ربما يملك احد الحلول الجذرية والتي من شانها ان تنقذه، وهو الدعوة لبدء الحوار الفلسطيني بين كافة الفصائل بلا شروط، وان يكون الحوار جدياً ومعمقاً بحيث يتناول كافة الملفات والقضايا الشائكة، وخاصة الملف الامني، وما يتعلق بمنظمة التحرير اضافة الى تحديد النهج السياسي المستقبلي للشعب الفلسطيني، على عباس القيام بذلك مع رجال مخلصون للوطن وليس سراق، بأسرع وقت قبل ان يكتب التاريخ حقائقه وينطق بحكمه الازلي.