محمد أبو علان
بما أن التهدئة في قطاع غزة تمت بناءً على توافق وطني فلسطيني يفترض
محمد أبو علان
بما أن التهدئة في قطاع غزة تمت بناءً على توافق وطني فلسطيني يفترض أن تصب نتائجها في الصالح العام للشعب الفلسطيني إن لم تكن في الجانب السياسي يفترض إن تكون على المستوى المعيشي واليومي على الأقل، ولكن الواقع الذي خلقته التهدئة مع الاحتلال بعيد كل البعد عن هذه النتائج، والمستفيد الأول والأخير من هذه التهدئة كما هو بادي للعيان هم قادة بعض الفصائل في قطاع غزة الذين يسرحون ويمرحون بالمرور عبر معبر رفح مقابل استمرار الحصار على بقية سكان قطاع غزة، فالمرضى يموتون من نقص العلاج وانعدام التحويلات للخارج، والمواطن يجهد في البحث للحصول على السلع والبضائع نتيجة الحصار، وإن وجدها قد لا يستطيع شرائها لارتفاع أسعارها، بمعنى آخر لم يعد للتهدئة معنى ولا للالتزام بها هدف غير خدمة شريحة صغيرة من القادة والمتنفذين في قطاع غزة، والاعتراف بفشل التهدئة كان على ألسنة من بذلوا الغالي والنفيس من أجل تحقيقها.
فالدكتور محمود الزهار في معرض تقيمه للتهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي بعد مرور ما يقارب الثمانية أسابيع عليها قال ” التهدئة لم تلبي الحد الأدنى المطلوب لشعبنا، وقال” المعابر جميعها مغلقة إلا معبر واحد، وهذا المعبر لم تزد الكمية التي تدخل فيه عن 80 شاحنة، ومعظمها 12 شاحنة فاكهة يومياً، وكأننا نجمع ما يزيد من الفاكهة الإسرائيلية”.
هذه التصريحات التي أطلقها الدكتور محمود الزهار جاءت في سياق اتهامه لمطلقي الصواريخ من قطاع غزة بأنهم مرتبطون مع الاحتلال حين قال” قضية إطلاق الصاروخ هذه اعتقد أن من يقف ورائها هم الذين يتعاونون مع إسرائيل لأن كل الفصائل الفلسطينية مجمعة على موضوع التهدئة”، وهنا يحصر الدكتور الزهار الوطنية والمقاومة بمن سماهم كافة الفصائل، وبالتالي لا وطنية ولا مقاومة خارج هذه الفصائل وفق اعتقاد الدكتور الزهار .
فإن كانت التهدئة مع الاحتلال وبعد مضي هذا الزمن عليها لم تحقق شيء للمواطن الفلسطيني فلماذا التمسك بها بكل هذه القوة والإصرار لدرجة اتهام من يعارضها ويرفضها بالخيانة والارتباط مع الاحتلال؟، إلا إذا كانت هذه التهدئة تخدم شريحة محدودة في قطاع غزة وهم أولئك الذين يسعون للحفاظ على شخوصهم ورؤوسهم من خلال استمرار سريان هذه التهدئة، وإن كان الأمر غير ذلك يفترض أن يكون قد تمت عملية تقييم لهذه التهدئة ونتائجها ومن ثم البت في مصيرها، أما الاستمرار بها في ظل هذا الواقع يدخلها في إطار مصالح شخصية وتنظيمه فئوية وليست في إطار مصالح وطنية.
فمن وقع التهدئة يسوقها على أنها تمت من موقع قوة وليس من نقطة ضعف، والقوي هو الذي بفرض شروطه في مثل هذه الحالات، وبالتالي هذا الإدعاء يفرض على حركة حماس فرط عقد التهدئة الحالية بعد حالة عدم الالتزام من قبل الاحتلال الإسرائيلي والعودة لإطلاق الصواريخ والمقاومة من جديد بغرض الإتيان بهدنة شروطها أفضل وفيها مكاسب أكثر على المستوى الشعبي.
إيهاب الغصين الناطق بلسان الحكومة المقالة صرح قائلاً في هذا المجال “التهدئة تكتيكا من تكتيكات المقاومة الفلسطينية، وجاءت من موقع قوة وتوافق وطني يجمع كافة الفصائل في الساحة الفلسطينية”، فإن كانت من منطق قوة وليس من منطق الضعف لماذا تصمت حماس عن الاختراقات الهائلة لهذه الهدنة ولم تبادر لاستغلال عناصر القوة لديها وتنهي هذه المسخرة التي تسمى تهدئة؟.
وسيل التصريحات التي تعلن عدم التزام الاحتلال بالتهدئة وعدم جدواها تأتي من كل حد وصوب ومن قطاع غزة بالتحديد، فرئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار على قطاع غزة جمال الخضري صرح بأن ” ما يدخل لقطاع غزة عبر المعابر لا يوفر أكثر من 15% من احتياجات قطاع غزة”، وتلاه في التصريحات الناطق الرسمي باسم حركة حماس سامي أبو زهري بقوله” إغلاق معابر غزة قرار لا قيمة له لأنها عملياً مغلقة نتيجة عدم التزام الاحتلال بالتهدئة”.
ومع مرور الوقت باتت الأمور أكثر وضوحاً وبينه فيما يتعلق بمقاصد وأهداف هذه التهدئة بين حماس وإسرائيل، وهذه المقاصد سياسية بالدرجة الأولى وللطرفين ذوي العلاقة فقط في آنٍ واحد، فإسرائيل باتت تعيش بوادر أزمة سياسية داخلية تلوح في أفقها انتخابات برلمانية جديدة منذ بدء التحقيقات مع رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت بالعديد ملفات الفساد والرشاوى، مما يعني أن الصراع من أجل خلافة أولمرت بات على أشده سواء كان على صعيد حزب كديما، أو على صعيد المواجهة على رئاسة الحكومة القادمة خاصة في ظل بروز نجم نتنياهو من جديد على الساحة السياسية الإسرائيلية وتوقع فوزه برئاسة الحكومة القادمة في إسرائيل حال تم تقديم موعد الانتخابات للكنيست الإسرائيلية، حيث أيد نتنياهو ما نسبته 41% من الشارع الإسرائيلي في الاستطلاعات الأخيرة للرأي العام، مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية التغير في
اتجاه الرأي العام في إسرائيل مع تحديد منافسي نتنياهو في المعركة الانتخابية القامة ، وهذا الوضع السياسي يجعل القادة السياسيين في إسرائيل يبحثون عن هدوء أمني قبل هذه الانتخابات، ولا يريد أحد منهم خوض المعركة الانتخابية القادمة على وقع عملية عسكرية في غزة غير مضمونة النتائج، ومتوقع فيها خسائر بشرية كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي، وخاصة أن نتائج حرب لبنان الأخيرة في العام 2006 وتقرير لجنة فينوغراد لا زالت تقض مضاجع الكثيرين من الساسة والعسكر في إسرائيل، بالتالي جاءت التهدئة في قطاع غزة لتعطيهم وقت مستقطع لترتيب شؤونهم السياسية التي سيكون لنتائجها بكل تأكيد أثر على قطاع غزة بشكل عام وعلى موضوع التهدئة بشكل خاص.
اتجاه الرأي العام في إسرائيل مع تحديد منافسي نتنياهو في المعركة الانتخابية القامة ، وهذا الوضع السياسي يجعل القادة السياسيين في إسرائيل يبحثون عن هدوء أمني قبل هذه الانتخابات، ولا يريد أحد منهم خوض المعركة الانتخابية القادمة على وقع عملية عسكرية في غزة غير مضمونة النتائج، ومتوقع فيها خسائر بشرية كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي، وخاصة أن نتائج حرب لبنان الأخيرة في العام 2006 وتقرير لجنة فينوغراد لا زالت تقض مضاجع الكثيرين من الساسة والعسكر في إسرائيل، بالتالي جاءت التهدئة في قطاع غزة لتعطيهم وقت مستقطع لترتيب شؤونهم السياسية التي سيكون لنتائجها بكل تأكيد أثر على قطاع غزة بشكل عام وعلى موضوع التهدئة بشكل خاص.
وحاجة حماس للتهدئة ليست بعيدة عن هذا السياق ومجريات الأحداث أثبتت ذلك، فحماس تريد نوع من الهدوء الأمني مع الاحتلال بغرض ترتيب شؤونها في قطاع غزة واستعادة قواها، وتعزيز سيطرتها الأمنية على القطاع لتعطي الانطباع بقدرتها على إدارة الشأن العام في قطاع غزة بغرض تحقيق مكاسب سياسية على الساحة الداخلية في حال انطلاق الحوار الوطني الفلسطيني، في المقابل استغلت حماس هذه التهدئة لتصفية حساباتها مع حركة فتح في قطاع غزة والتخلص من أية شخصيات أو عوائق قد تؤثر على سيطرتهما على القطاع، وجاءت أحداث الشجاعية لتؤكد سعي حماس لتحقيق هذا الهدف، وما سبق هذه العملية العسكرية في الشجاعية من اعتقالات جماعية طالت كل المستويات الفتحاوية في قطاع غزة مؤشر آخر على الأهداف الحقيقية لهذه التهدئة.
واستخدام حماس لتفجير شاطئ غزة لتنفيذ مثل هذه الإجراءات القمعية لم يكن مبرراً ولا مقنعاً، فحماس اتهمت عناصر من حركة فتح في العملية بعد لحظات من الانفجار، ومن ثم أخذت تبحث عن أدلة لتثبت هذا الاتهام، وهذا المنطق المقلوب في معالجة الأمر لم يكن مقنع ولا بأي شكل من الأشكال، فالمنطق في التحقيقات يقوم على أساس جمع الأدلة ومن ثم البحث عن المتهم وفق هذه الأدلة، أما أن نجد المتهم قبل الأدلة فهذا فيه من الغرابة ما يثير الكثير من الشكوك.
بالتالي مخرجات التهدئة على الأرض خدمت الاحتلال وحماس في نفس الوقت ولم تخدم عموم الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فالاحتلال حصل على الهدوء والأمن لمستوطناته لكي يستطيع قادته السياسيين ترتيب أوراقهم على الساحة السياسية الداخلية بعيداً عن قطاع غزة ومشاكله الأمنية، في المقابل ضمنت حماس الأمن والأمان لقادتها السياسيين والعسكريين الذين باتوا يتحركون بأريحية كاملة وكأنهم في دولة مستقلة، في المقابل تسعى حماس لتعزيز سلطتها على الأرض في ظل هدوء أمني غير مسبوق، ويبقى السؤال أين أهل غزة من هذه التهدئة؟، وما هي منجزاتها على الأرض؟.
فلسطين 13/08/2008