ان ثورة التحرير الجزائرية ثورة كلية، أعطت لحرية الانسان وكرامتة كل معانيهما، وقد جسد انتصارها ،اسلوبا فعالا وقيما جديدة لرفع مستوى النضال العربي في مواجهة الهيمنة الغربية ككل،وأججت طموح العرب وايمانهم بقوميتهم ووحدتهم والهمتهم المستوى اللائق بامكانياتهم العديدة التي لم يجرؤوا على تفجيرها كلها واطلاقها من عقالها حينها، واحرجتهم في الاختيار بين التنازل عن ادعاءاتهم وآمالهم العريضة ،وبين ان يؤيدوها ويضمنوا جديتها بالبذل والعمل والجهاد،وكان على العرب ان يقاوموا الخوف بالجرأة، وأن يدفعوا الخطر بالتضامن، تضامن الخائف على بقاء أمته وهذا ما فعله المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر ايضا عندما أمم القناة وثارت ثائرة الوحش الاستعماري وشهوته لإراقة الدم العربي، وجعل بذلك العرب في شتى اقطارهم يذركون أهمية تلك اللحظات الخصبة ، لحظات الحياة الخطرة التي تصقل قريحة الشعوب، وتصنع المعجزات.
لقد ادرك المجاهدون أن إيصال النشاط العسكري و السياسي و الاجتماعي للثورة إلى مستوى القطيعة التامة مع النظام الاستعماري،أمر لن يتحقق إلا بتعبئة الطاقات ،وتجنيد كافة أفراد الشعب للانضمام لجبهة التحرير الوطني،واستبدال الفرقة بالتكاثف والتلاحم و تعويض الخوف بالشجاعة والإقدام ،وهي المقدمة المنطقية لأولى للانجازات الكبرى للثورة:”هجومات يوم السبت 20 أوت 1955،”تلك العملية العسكرية الضخمة التي قادها الشهيد البطل زيغود يوسف،وغطت الشمال القسنطيني- القالة إلى حدود بجاية – بهدف فك الحصار على المنطقة الأولى”الأوراس” التي تحملت العبء ألأكبرمن الضغط العسكري الإستعماري الفرنسي،وشكل ذلك انشغالا مركزا لقادة المنطقة الثانية، التي كانت هي الأخرى تواجه متاعب جمة وظروف صعبة.
أن عمليات يوم السبت 20 أوت1955 ،شملت أكثر من 26 مدينة وقرية بالشمال القسنطيني إستهدفت كافة المنشآت والمراكز الحيوية الإستعمارية، مراكزالشرطة والدرك،مراكرو الشرطة البلدية وحراس الغابات، في المدن ،ومزارع المعمرين في القرى والأرياف، وقد تمكن المجاهدون من إحتلال عدة مدن وقرى في هذا اليوم المشهود ،ونطفت الجماهير الشعبية بالتعبير عن رفض الإستتعمار ومساندتها لجبهة وجيش التحرير الوطني،
لقدعد ت الهجومات بحق أول التحام حقيقي بين جيش التحرير الوطني والجماهير الشعبية،واهم المنابرلأبراز وحدة الشعب،وأحسن وسيلة لفك الحصار الإعلامي المضروب على الثور،.بإعطائها الدليل القاطع للأمم المتحدة على ان ما يجري في الجزائر هو ثورة وطنية ضد الاستعمار،وليست مجرد تمرد “الفلاقة أو قطاع الطرق” كما تقول السلطات الفرنسية، خاصة وأن الهجومات جاءت قبيل إنعقاد الدورة العاشرة للجمعية العامة للأمم لقد جاءت هجومات 20 أوت 1955 بعدما كانت الثورة الجزائرية قد سطرت بيان المرحلة الأولى في من نهج الثورة ضد الإحتلال الفرنسي حيث عملت جبهة التحرير الوطني على توعية الجماهير وتنظييمها ضمن هيئات مختلفة مثل تأسيس فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا في ديسمبر 1954 -إنشاء الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في جويلية 1955 – وبعد مضي 10 أشهر على إندلاعها ،تزايد إتساع رقعة المشاركة الجماهيرية على الرغم من إستشهاد العديد من مفجري الثورة،كالشهيد ديدوش مراد قائد المنطقة الثانية وإعتقال بعضهم من أمثال مصطفى بن بولعيد الذي القي عليه القبض في 12فيفيري1955،واستطاع الفرار من السجن العسكري بالكدية في نوفمبر1955 ، ورابح بطاط اعتقل عام 1955 وحكم عليه بالسجن المؤبد وغيرهم ..،أما على الصعيد الخارجي فإن السمعةالجزائرية سجلت حضورها رسميا في المحافل الدولية في مؤتمر باندونق في أبريل 1955 وكان ذلك أول إنتصار لديبلوماسية للثورة الجزائرية النقية ضد فرنسا “العظمى”؟ وفي كل هذه الأوضاع خططت قيادة الثورة ولمدة ثلاثة أشهر لشن هجومات واسعة في الشمال القسنطيني.فبعد أن عين زيروت يوسف خلفا للشهيد ديدوش مراد على رأس المنطقة الثانية وجه نداء الى الجزائريين الأعضاء في المجالس الفرنسية يدعوهم الى الإنسحاب منها والإلتحاق بمسيرة الثورة،.، وعقد اجتماع في الفترة ما بين 25 جوان و 01 جويلية 1955 في ضواحي سكيكدة حدد فيه 20 أوت 1955 موعدا لانطلاق العمليات بعد توزيع الأدوار على القادة وتديد النواحي، كان الثوار مدركين عدم تكافؤ قوتهم وقوة جيش الاستدمار ولكنهم كانوا مؤمنين بمساعدة الشعب لهم، وعلى اثر الهجومات كان الرد الفرنسي عنيفا والجرم كان اشد، إذ ردت السلطات الإستعمارية بوحشية كبيرة على هجومات جيش التحرير الوطني ،بحيث شنت حملة توقيف واختطاف وقمع واسعة، استهدفت الآلاف من المدنيين الجزائريين، و قام بقصف القرى جوا وبرا وبحرا وقامت الإدارة الفرنسية بتسليح الأوربيين،كميلشيات خاصة وعمدو علىخلق الفوضى و الإنتقام من المدنيين العزل وارتكبت قوات الإحتلال مجزرة كبيرة في ملعب – فيليب فيل- سكيكدة ( أين حشرت الآلاف من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ ) وأعدمتهم ،فسقط ما يزيد عن 12000 جزائري.عربونا للحرية والانعثاق خلال ثلاثة ايام فقط.
إذا، لقد كان لهجومات 20 أوت دورا هاما في دفع مسيرة الثورة التحريرية وتحقيق إنتصارات أخرى، ،كما كان متوقعا لها،حيث خلق اضطرابا للموقف الفرنسي و عزل فرنسا سياسيا في الجزائر وعن العالم ، كما تم تطوير الثورة لتتماشى مع القانون الدولي و تحقيق المساعدة الدائمة للشعب ليقف ضد إبادته … و تكون ثورة اكثر تنظيما وشمولية.
ذاق الفرنسيون في الجزائر أقوى مرارة المقاومة وعاشوا ساعات رعب لن ينسوها،وتيقنوا من العلاقة بين القمع والثورة و بين الاضطهاد واساليب الفاشية الفرنسية،وهو مازاد من تعطشهم للإغتيالات العشوائيةومن طواري الحكومة الفرنسية برئاسة “منديس فرانس”ولتضليل الرأي العام العالمي حاولت أن تربط المظاهرات التي جرت في المغرباحياء لذكرى نفي السلطان محمد الخامس والتي تزامنت مع هجمات الشمال القسنط – 20أوت-
يقولال الكاتب المؤرخ الفرنسي بن جمين ستورة :(لقد عاشت السلطات الفرنسية هلعا واضطرابا،على مدى ثلاثة ايام، يالاضافة الى اعمال القمع التي سخرتها ضد الجزائريين المسلمين،اهتزت حكومة منديس فرانس، واستقال وزيران،وقررت الحكومة تأجيل خروج دفعة الجنود الذين انهوا واجب الخدمة العسكرية، واستدعت 60000 جندي من الأحتياطين،وما الى ذلك من القرارات التي اظهرت فرنسا في صورة حرب حقيقية.
ومن النتائج الإيجابية لعمليات الشمال القسنطيني، تهيئة الأرضية لعقد مؤتمر الصومام 20أوت1956، الذي جاء كضرورة حتمية لتقييم المرحلة الأولى من الثورة المسلحة ،ووضع الخطوط العريضة لمواصلة الكفاح المسلح والتخطيط للعمل السياسي من أجل استرجاع السيادة الوطنية و إجراء فعال لتزويد الثورة بقيادة مركزية وطنية موحدة .تقوم بتنظيم الأمة وتسيير الكفاح المسلح
إن هجومات 20اوت 1955،تمثل درسا سليم المعطيات دقيق الاهدا ف عرى خرافة القوة الفرنسية التي لاتقهر،لكن الاستعمار الفرنسي،كالتلميذ الغبي،عميت اعينه بالأمس عن الحقائق، وصمت اذانه اليوم عن سماع صوت الحق،وهاهو اليوم يسعى لمحو ما لا يمكن محوه،يحاول إدخال الجزائر الى بيت الطاعة، بخرفة جديدة الاتحاد المتوسطي، وهو بعلم أنه لن يستطع مهما فعل فالجرح عميق لم يلتئم بعد والجماهير لن تعفو ابدا