خرجت هائماً على وجهي لا آلو على شيء، ومضيت لا ادري إلى أين المسير، ضاقت على الأرض بما رحبت واختنقت حتى شعرت أني أتنفس من خرم ابره
كانت تلك الحالة تعاودني منذ سنين ، إلا أنها *هذه المرة كانت اشد وأعمق أثراً في نفسي من ذي قبل لم يكن من دواء ناجع ليخفف عنى ما أنا فيه، غير أن أهيم على وجهي في البراري على غير هدى ضائعا تائها حتى تتشقق قدماي من المسير ، ويضيع من قدمي الطريق ، ويشب في رأسي حريق
حينها أكون قد بلغت غايتي وخلعت همي كما يخلع المرء ثوبه
أعود بعدها إلى الدار وانزوى في غرفة مظلمة أُغلق على بابها وأطلق لروحي العنان لتفارق جسدا أوهنه الهم وأسقطه الحزن ، فتهيم روحي في ملكوت الكون الفسيح ،حيث لازمان ولا مكان ، ولا امس و لا غد ، هناك حيث لا هناك ، تلتقي بأرواح الأحياء والأموات
وكعادتي الآثمة انطلقت اهيم على وجهي في البريّة غير أن طريق تيهاني وهيامي اوصلنى هذه المرة الى وادي الموت ، لتسوقني خُطاي إلى رفات الأجداد ،حيث يعبق ريح ماضيهم العتيق على أطلال تكاد تندرس تحت ريح السموم ، لست لا أدرى كيف ساقتني خطاى المتثاقلة المنهكه الى ذلك الوادى البعيد المخيف ، غير انى وجدت نفس فجاة فيه ـ وقفت واخذت اتأمل شارد الذهن وقد تمازجت في نفسي مشاعر الخوف والرهبة، اوالشوق والرغبة الى ماضي أفل
لتقرع آذاني من قاع الوادي اصواتا تردد
ذهب الرجال المقتدى بفعالهم ….والمنكرون لكل فعل منكر
وبقيت في خلف يزين بعضه بعضا… ليدفع معور عن معور
اصوات من الماضي البعيد ، اخذت اتمعن في تلك الكلمات احاول سبغ أغوارها لعلى ادرك ما وراءها ، غير انها اضمحلت وانقطعت وعم السكون وادى الموت الرهيب ، بقيت على حالتى تلك شارد الذهن حتى ارخى الليل سدوله وخيم بظلمته ووحشته ، وتعالت اصوات خفافيش الظلام ودب الخوف في نفسي من جديد وقد استعدت شئيا من حواسي و انفاسي وتساءلت بيني وبين نفسي الحائرة ما الذي اتى بى الى هنا ؟؟!!
لم اجد جوابا فزادت غربتي ووحشتى وتسارعت دقات قلبي واخذت اجرى اجرى اجرى ، لا ادرى الى اين اجري! ولا اين اضع قدمي ، حتى انقطعت انفاسي واعياني التعب، فوقفت استعيد بعض قواي ، وفي نفسي ان اعود اجرى من جديد ، وفجأة شعرت بيدٍ ثقيلةٍ كالجبل وباردةٍ كالثلج تربت على كتفي لم استطع ان التفت لآتبين من صاحب اليد الغريبه ..همس في اذني بانفاس ٍ باردةٍ كالصقيع وقال على رسلك لا تخف انا من تبحث عنه نفسك الحائرة !! وضع يده في يدي واخذ يجرني وانا اسير خلفه متثاقل الخطى لا ادرى امن الانس هو ام من الجن ؟؟ وقد غارت ملامحه في ظلمة الليل البهيم ومضى ومضيت معه حتى ارهقني التعب والخوف
وهو صامت لم يتفوه طوال المسير ببنت شفه ، وفجأة توقف وقال لى اجلس هنا ولاتبرح هذا المكان حتى اعود اليك! واختفى ، فعلت كما امر ، وطال انتظاري ومع طول الانتظار يزداد خوفي من المجهول ، وفي لحظة هممت فيها ان اطلق ساقي للريح من جديد وقبل ان يرتد الى طرفي ـ ربت بيده على كتفي عرفته من انفاسه وبرودة يده ، قال انظر ماذا معى ـ دققت انظر لعلى اتبين في ظلمة الليل ما معه ـ فاذا به حمار! قلت ما هذا ؟؟ قال حمار ـ قلت وماذا افعل به؟؟ صمت طويلا ثم قال اركب ..ركبت وامسكت بزمامه وفجأة اختفى مرة اخرى ، وبدأ الحمار يجري يجري يجري ـ وانا اتشبث به بكل قوة خوفا من ان اقع من على ظهره حتى توقف ! فايقنت انه مأمور بالوقوف فى ذلك المكان المجهول ، واذا بنفس اليد تربت على كتفي ثم تشدني من عضدي وتنزلني من على ظهر الحمار لاجد نفسي على رأس جبل عال
وكان الفجر الكاذب قد بدأ يشق السماء ، واذا بقطيع من الحمير ترقص في اسفل الجبل كانت ترقص وتدور على نفسها ـ وعلى ظهرها اكياس من الشعير ، واثار الجروح بادية على* خديها *وساقيها والدماء تسيل من اطرافها
شعرت بشىء يشدني اليها!! فهممت بالنزول والرقص معها، لست ادرى ما الذي شدني اليها ؟؟!! اهى غربة الزمان ؟ ام غربة المكان ؟ ام هم الذل ام ذل الهم ؟؟
ام خوف الامس واليوم والغد !!
ياويح نفسي من غد .. لست ادرى .. غير انى شعرت بألانس اليها
واحسست برغبة عارمه للرقص معها …
*
فاذا بذلك المجهول يهمس في اذني وكانه يعلم بما حدثتني به نفسي
لاتنزل الى اسفل ، الوادى ولا ترقص مع الحمير ، فقط انظر اليها فلعل نفسك الحائرة تهدأ ولو الى الحين
التفت لاتبين وجهه وملاحمه والفضول يكاد يقلتني لاعرفه
الا انه اختفى قبل ان ادركه
.
رجعت الى الدار
ولم احدث احدا بما رأيت تلك الليلة
كانت ليلة من ألف ليلة وليلة