د. محمد احمد النابلسي
مع خروج بوش من البيت الأبيض نهاية هذا العام سيتبخر حلم الساسة
د. محمد احمد النابلسي
مع خروج بوش من البيت الأبيض نهاية هذا العام سيتبخر حلم الساسة العرب بإنشاء دولتين في فلسطين، إحداهما عربية، والأخرى يهودية، وسيدفن وعد بوش بإقامة هاتين الدولتين، إلى أمد بعيد قادم.
والموضوعية تقتضي التفريق بين الساسة العرب الذين راهنوا على وعـد بوش وبقية الساسة العرب ممن تمكنوا من ملاحظة ظروف تحول بوش للاهتمام بالمسألة الفلسطينية. وهؤلاء تذكروا اعلان كونداليزا رايس في شباط 2001 بصفة مسؤولة الامن القومي بأن حل المسألة يقتضي قيام كونفيديرالية فلسطينية اسرائيلية اردنية تنضم اليها لاحقا دول المنطقة الجاهزة لذلك. وهو ما يترجم اليوم بعودة طرح الاردن وطناً بديلاً وبعودة طرح توطين الفلسطينيين في لبنان بغطاء الكويتز (عدم اعطاءهم جنسيات وانما اقامات دائمة). وهو الغطاء الذي يرفع البعض عقيرته من تحته قائلاً بان التوطين هو مجرد فزاعة. ومن هنا ايضاً إصرار مقابل على ذكر “حق العـودة للفلسطينيين”.
كما لا يزال بعض الساسة العرب يتذكرون زيارة كولن باول في شباط 2001 واعلانه السري لهم بان ادارة بوش الجديدة غير مهتمة بالشأن الفلسطيني رغم ضغط الانتفاضة آنذاك على الانظمة العربية. ومعها ابلاغه لهم بنية بوش خوض الحرب على العراق. ولا أحد بامكانه تذكير هؤلاء الساسة بالموضوع لانهم تبلغوه بصورة شخصية يمكن انكارها.
وهكذا فان بوش ومنذ دخوله البيت الابيض ولغاية خروجه منه لم يكن يوماً جاداً في الموضوع الفلسطيني. وغالباً ما كان يلجأ اليه او يسمح لاصدقائه العرب بمقاربته لتجنب غضبة الشارع العربي والياس الفلسطيني. وأحياناً كان يجري ذلك لدعم الصديق اللبناني فؤاد السنيورة أو الفلسطيني محمود عباس. الذي طالما وعد بعدم تقديم تنازلات مبدئية وبالاستقالة عند الوصول للطريق المسدود. وها هو وصله دون استقالة كونه منهمكاً بالتحضير لحرب أهلية فلسطينية تكاد تمتد الى المخيمات الفلسطينية في البلدان المجاورة.
هكذا وضع بوش القضية الفلسطينية ومتفرعاتها في ثلاجة ادارته طيلة ثمانية سنوات. لتبقى أبواقه العربية باحثة في التفاصيل متجاهلة سخرية التسويف وذل الغاء الوعد. ولا تزال هذه الابواق تردد كما الببغاء وصفات السموم الفلسطينية. ومنها في لبنان مسائل سلاح المخيمات والتنظيمات الاصولية فيها. وهي تكون تارة ارهابية وتارة بطولية وفق ما بتلقنه الببغاء.
التفاصيل مغرية وتقود الى الإستطراد مستوجبة العودة الى الساسة العرب “المطنشين” حيث سقوط وعد بوش بالدولتين مؤشر على خداع يمتد الى كافة الوعود المعلنة والسرية لهؤلاء. والأكثر ايجازاً يكون في استعراض وضع المنطقة العربية قبل دخول بوش ولدى خروجه منها.
جغرافية المنطقة تغيرت فالعراق لم يعد دولة وبات بلداً محتلاً على وشك التفكك الى دول عديدة. كما ترافق ذلك بتغييرات جغرافية مجهولة لكن عديدة على الحدود بين الدول العربية. عداك عن ظهور ثلاث دول منتدبة تحكمها حكومات اصطناعية مركبة تنتهك ارادة شعوبها وتزورها ولو بالدماء. حيث تعيش حكومات لبنان وفلسطين والعراق على الأوكسيجين في غرفة العناية الخاصة الامريكية. ولم تعد من ضرورة للتذكير بموت هذه الحكومات بمجرد توقف الاوكسيجين الامريكي عنها. بل وجب لفت النظر الى غيرة فياض من مثيله السنيورة ودعوة الاول لحكومة خليطة تخفف عنه عبء التفرد الذي لم يتنازل عنه السنيورة بسهولة.
أما عن التهديدات فحدث ولا حرج حيث الملف النووي الايراني يفتح المنطقة على الإحتمالات الوسخة. وامتدت التهديدات الى داخل الدول العربية وبخاصة الصديقة لأمريكا. وهذه التهديدات تدفع بتلك الدول الى ما لاتحمد عقباه من البدائل الامريكية. ونستغني عن التعداد لتجنب التسميات. ومهما بلغت حدة الاختلاف مع هؤلاء الساسة فان بديلهم الامريكي يستوجب دعمهم ومساندتهم. وهنا تتجلى البراغماتية الامريكية التي لا تسمح لك بالانتقاء بين الصح والخطأ بل تقدم لك عدة بدائل مسمومة وعليك اختيار اقلها خطراً. لذلك لا بد من اختيار ان تبقى المنطقة على استقرارها وبقاء ساستها وأنظمتها كون ذلك يوفر علينا قائمة من الحروب الاهلية العربية.
تذكروا ان بعضهم ملك من الوقاحة والصفاقة وشح الذكاء بحيث صرح ان علاقته مع الامريكيين هي علاقة تقاطع مصالح. وكادوا ان يقنعوا رعاعنا بانهم يستغلون بوش وامريكا لمصلحتهم. اليوم وبعد سقوط وعود بوش وتجلي كوارثه في المنطقة تجب محاسبة هؤلاء ممن ورطوا دولهم بعلاقات تبعية خطيرة تهدد استقرار الدول والمنطقة.
هل تذكرون أولئك الذين يحبون الحيــاة؟!… ومشكلتهم انهم احبوها بعيون امريكية فانتظروا نتائج ممارسة حب الحياة على الطريقة الامريكية دون نسيان دين الخمسين مليار دولار بصفته واحدة من نتائج ممارسة هذا النوع من الحب.
رئيس المركز العربي للدراسات المستقبلية