أكتب إليكم اليوم ناعياًَ محمود درويش شاعر المقاومة وفلسطين المغوار, و عضو الحزب الشيوعي “الإسرائيلي” والمحرر السابق في صحيفة (راكاح) التي يصدرها الحزب وأحد أهم المحررين في صحف الإتحاد والجديد وهي من صحف الحزب أيضاًَ, والحاصل ورفيقه ادونيس على رسالة تقدير خاص من السفير “الإسرائيلي” في باريس بسبب البيان الشجاع الذي اصدروه ووقعوه ونشرته صحيفة اللوموند الفرنسية يستنكرون فيه المؤتمر الذي كان سيعقد في بيروت لمناقشة “الهولوكوست” المزعوم, حيث انه لامقدس عند بعض شعراء العرب اليساريين, من الذين لم يجدوا حرجاًَ أبداًَ في الإستهزاء بكل الثوابت والنيل من جميع مقدسات الأمة, إلا المحرقة اليهودية المزعومة ولا محرم عندهم إلا التشكيك فيها.
المهم, نعود لدرويش شاعر المقاومة والتي كرهته إسرائيل لدرجة ان حكومتها في العام 2000م قد اصدرت قراراًَ رسمياًَ بتدريس اشعاره في مناهجها الدراسية.
وكيف لا يثني عليه الصهاينة ويحتفوا بشعره في مدارسهم ويرسل سفرائهم رسالات الشكروالتقدير له وهو الداعي للتعايش المشترك معهم وقبول وجودهم على الارض العربية ضمن (تسوية عادلة) تضمن لليهود وللعرب العيش سوياًَ على (أرض أجدادهم) في ظل نظام يضمن حقوقاًَ متساوية بين الذئب والغنم, وغيرها من هرطقات الحزب الشيوعي “الإسرائيلي” والتي تبناها أبنه المخلص محمود درويش وأفنى عمره في الدعوة إليها والتبشير بها.
وعلاقة درويش بالحزب الشيوعي “الإسرائيلي” ليست سراًَ أكشفه لكم الاّن بل هي حقيقة مثبتة ومعروفة عند كل من كتب عن حياة درويش, فقد افاض رجاء النقاش مثلاًَ في كتابه (شاعر الارض المحتلة) في الحديث عن علاقة درويش بالحزب الشيوعي (الإسرائيلي). كما أكد ذلك حسين مروة في كتابه (ملاحظات نقدية) حيث يقول على لسان درويش:
(وصرنا نقرأ مبادىء الماركسية التي اشعلتنا حماساًَ وأملاًَ, وتعمق شعورنا بضرورة الإنتماء للحزب الشيوعي (الإسرائيلي) الذي كان يقود المعارك دفاعاًَ عن الحقوق القومية!!!!).
أية حقوق بالضبط يا درويش!!! واية قومية؟؟؟ إن كانت القومية العربية فقد خرجت من ملتها يوم إنتسبت لحزب صهيوني إسرائيلي.
ومحمود درويش هو ربيب عرفات وإبنه المدلل على الرغم من فترة الخصومة المحدودة جداًَ بينهما إبان توقيع إتفاقية اوسلو حيث صرح درويش بإنه عارض الإتفاق المشؤوم (لأن هذا الإتفاق ليس عادلاًَ, لأنه لا يوفر الحد الادنى من إحساس الفلسطيني بإمتلاك هويته الفلسطينية, ولا جغرافية هذه الهوية…)
بالطبع مشكلة اوسلوا عند درويش لا تكمن في موضوع الإعتراف الفلسطيني (بشرعية) وجود (إسرائيل) على75% في المئة من ارض فلسطين التاريخية ولا إتفاقيات التعاون الأمني والإستخباراتي المشينة, وإنما إقتصر أساس الإشكال عنده في كون أن هذا الإتفاق لا يعطي الفلسطينين صلاحيات كافية تعينهم على الشعور بأن لهم هوية وطنية على بقعة جغرافية معقولة من الارض, وبعبارة اخرى كل ما اراده درويش هو مساحة اوسع للحكم الذاتي, ولماذا الإستغراب أوليس درويش هذا هو نفسه من كتب ما يسمى بإعلان الإستقلال الفلسطيني عام 1988م الذي اعلنته المنظمة رسمياًَ والذي ينادي بدولتين حسب تعريف القرار 242, فلسطينية على 25% من ارض فلسطين ويهودية على 75%.
ودرويشنا هذا لم يكن درويشاًَ بالمعنى الحرفي للكلمة, فقد قضى جل حياته متنقلاًَ بين فنادق الخمس نجوم العالمية حسبما يجمع من كتبوا عن حياته, وطبعاًَ لم يبخل عرفات بتسديد قيمة فواتير حياة الدرويش الفارهة, حتى قيل أن درويش كان يستهلك شهرياًَ ما تزيد قيمته عن عشرة ألاف دولار من أرقى انواع الخمور العالمية. ويعرف من كانوا من المقربين من عرفات أن توفير حياة فندقية فارهة ومشروبات عالية الجودة وغالية الثمن للمثقفين والكتاب والشعراء والصحفيين كانت طريقة الختيار المفضلة لشراء ذممهم, فبذخ حياة الفنادق مؤقت وسهل السحب. حيث يحكى مثلاًَ ان احد كتاب الأعمدة اليومية في إحدى الصحف قد بلغ منه السكر حداًَ أنساه معه رب نعمته العرفاتي فقام بمهاجمة الختيار في إحدى مقالاته, وفي اليوم التالي ما كان من عرفات إلا ان أبلغ الفندق أنه لن يدفع الفاتورة ليقوم هذا الفندق بإلقاء الكاتب الفذ في الشارع فوراًَ, ولم يكن من هذا الكاتب إلذي رجع له عقله في الشارع إلا أن يكتب مقالاًَ يبالغ فيه بمدح عرفات في اليوم التالي حيث تفضل عرفات صاحب القلب الطيب بإرجاعه للفندق ولباره طبعاًَ!!.
المهم, نعود لدرويش والذي وصفه ناجي العلي الذي كان على خلاف دائم معه بأنه (اّخر خيباتنا), ويذكر مقربون من ناجي العلي ان درويش قد نقل للعلي تهديداًَ شفهياًَ مباشراًَ من ياسر عرفات بعدما نشر العلي كاريكاتيراًَ يتهكم فيه على عرفات ويلمح لعلاقة بينه وبين أمرأة تونسية تدعى رشيدة وهران, وكان ناجي قد نشر قبلها رسماًَ يتهكم فيه على درويش نفسه مما أثار حنق الأخير عليه.
و ختمها درويش في اواخر حياته بمعاداة حماس و النيل منها, حيث اغضبه كثيراًَ تنظيفها لغزة من عملاء اليهود المباشرين وأجهزتهم الساهرة على حماية أمن إسرائيل, ووصف قيادة حماس( بأنبياء غزة الكذبة) حيث قال (لولا الحياء والظلام لزرت غزة, دون ان اعرف الطريق لبيت أبي سفيان الجديد, ولا اسم النبي الجديد…….)
غير أن أهم ما ميز درويش هذا عن نظرائه في عصره هو حقده الخاص الغير مفهوم الدوافع والأسباب على الله تعالى, حيث حث اتباعه صراحة على قتل الله (اقل إحتفالاًَ على شاشة السينما, فخذوا وقتكم لكي تقتلوا الله…..) أحد عشر كوكباًَ ص14.
وكان يعتبر الله رمزاًَ للقديم المتخلف, (حيث تحدَّث في مقطوعة بعنوان : (أبي) عن أبيه رمز القديم ورمز الجيل المؤمن بالله , ويتهكم به وبصلاته وعبادته فيقول : (غضَّ طرفاً عن القمر, وانحنى يحضن التراب, وصلَّى , لسماء بلا مطر, ونهاني عن السفر! … وأبي قال مرَّة حين صلَّى على حجر : غض طرفاً عن القمر, واحذر البحر , والسفر ! يوم كان الإله يجلد عبده, قلت : يا ناس ! نكفر, فروى لي أبي , وطأطأ زنده : في حوار مع العذاب, كان أيوبُ يشكر خالق الدود , والسحاب, خلق الجرح لي أنا لا لميت, ولا صنم) ديوان محمود درويش ص144-145 .
ويقول في مقطوعة بعنوان : سرحان يشرب القهوة في الكفاتيريا : (وسرحان يرسم شكلاً ويحذفه : طائرات وربّ قديم) ديوان محمود درويش ص451 .
ويقول في مقطوعة بعنوان : تلك صورتها ص554 : (يومُكِ خارج الأيام والموتى, وخارج ذكريات الله والفرح البديل) .
وأخيراًَ, نامت عين من ظن ان عين الله نائمة عنه حين قال (نامي فعينُ الله نائمة عنا) .