لايخفى على أحد أن العملية السياسية التي تجري في العراق قامت على نوع من الديمقراطية يمكن ان نطلق عليها أسم الديمقراطية التوافقية ، والتي تتضمن مفهومين او مصطلحين لكل منهما دلالة معينة ، فالديمقراطية تشير ببساطة الى مبدأ الانتخاب الحر للشعب بطريقة الاقتراع وبذلك فالذي يحكم سوف يكون من يحصل على الاصوات الاكثر في هذا الانتخاب , اي الحكم للاكثيرة البرلمانية كما هو معروف في العرف السياسي الذي أستقر في العصر الحديث ، اما التوافق فيشير الى اتفاق الارادات السياسية فيما يتعلق بالقرارات المصيرية الحاسمة التي تتعلق بحاضر أو مستقبل بلد معين .
ولان العراق بلد جديد العهد بالديمقراطية من جهة ويتكون مجتمعه من فئات وطوائف متعددة من جهة أخرى ، فان الديمقراطية في نظامه السياسي سوف لن تكن صائبه في هذا الوقت _ وأشدد على هذه الكلمة_ , ولهذا وُضع وصف التوافقية لهذه الديمقراطية التي ظهرت في العراق لأول مرة بعد سقوط النظام السابق ….لتعني ان الحكم الذي سيكون للاغلبية التي جاءت بالتصويت سوف يكون أيضاً بالتوافق السياسي مع بقية المكونات والشرائح التي تشكل الموزائيك العراقي بحيث لايمكن أن يُمرر أي قرار سياسي خطير يمس السيادة او يتعلق بقضية كبرى من قضاياه كتمرير الدستور أو قضية كركوك أو قانون مجالس المحافظات أو قانون النفط والغاز مالم يوافق عليه جميع التيارات السياسية الكبرى التي تشارك في العملية السياسية في العراق .
وفي الحقيقة أنني أأوكد على كلمة ” الكبرى ” في وصفي للتيارات السياسية في العراق حيث لايمكن ارضاء جميع الاطراف التي لها جهات ممثلة في البرلمان العراقي اذ لابد ان تكون هنالك جهات معارضة لاي قرار ولايمكن ان تكون هنالك حالة تطابق تام لكل قرار سياسي هام ، اذا ان هذه القضية هي اقرب الى عالم الخيال والاحلام منها الى الواقع والحقيقة .
وفي التصويت الاخير على قضية كركوك ..أرى من وجهة نظري الشخصية التي ازعم انها مستقلة ومحايدة حدوث خلل كبير وخطأ فادح لايمكن ان يكون متناسباً مع مبدأ الديمقراطية التوافقية التي بُنيت على أساسها العملية السياسية في العراق ، اذ كيف يمكن ان تسير العملية السياسية على مبدأ التوافق وفي قضية كركوك نتجاوز عن هذا المبدأ او نتخلى عنه ولانعمل به .. وهي القضية التي لها أهمية كبرى بل لعلها أهم من بقية القضايا التي مررها البرلمان العراقي ويمكن ان تسيل فيها دماء عراقية عزيزة وغالية .
ان وجه أعتراضي على هذه القضية وعلى التصويت الذي حصل ، يكمن في هذه القاعدة البسيطة التي تقول “” لايمكن ان نمرر قانون او نصوت على قضية كبرى ومكون
كبير _ كالأكراد مثلاً _ ليس لهم دور فيه او معترض عليه او حتى غير موجود في قبة البرلمان بسبب خروجه منسحباُ منه ” وهو أمر يسير وينطبق على كل مكون كبير في العملية السياسية .
كبير _ كالأكراد مثلاً _ ليس لهم دور فيه او معترض عليه او حتى غير موجود في قبة البرلمان بسبب خروجه منسحباُ منه ” وهو أمر يسير وينطبق على كل مكون كبير في العملية السياسية .
أنني أعلم بما سوف يقوله البعض عني خصوصاً ممن يتحامل على اكراد العراق الذين عانوا من ظلم وابادات جماعية على يد النظام السابق ، ولكنني ياسادتي الكرام أخاطبكم بالعقل وبأسلوب هادئ وبطريقة موضوعية ..عسانا نجد من يفهم هذا المقال الذي كتبناه لاجل توضيح مايكمن في هذه القضية التي سببت شرخاً سياسياً كبيراً بسبب أجراءات خاطئة لم يُنظر فيها الى مصلحة الوطن وقضية التوافق بين مكوناته .
مهند حبيب السماوي