أسامة عبد الرحيم*
يشكل الانبطاح واللجوء إلى الآخر ابتغاء مرضاته وتجنباً لسطوته
أسامة عبد الرحيم*
يشكل الانبطاح واللجوء إلى الآخر ابتغاء مرضاته وتجنباً لسطوته ، جزء من ميراث نكبة أمة، أفرزت سلوكاً واضحاً في الخطاب الديني الذي أسس بدوره قطاعاً من الإعلاميين “الدعاة” تم قولبته وتوظيفه لتطويع هذا الخطاب الذي تدسه الفضائيات التي أضحت هي الأخرى محور ابتزاز للوعي الجمعي لتوليد ” الإسلام البديل” أو الانصياع للآخر بملء الإرادة .
وما أسهل أن ينزلق هؤلاء الإعلاميين بحكم هذا الخطاب “النكبوي” فيحيدون عما أراده الله ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً !
وحيث يلعب إعلام الآخر دورا مهما في التحريض ضد العرب والمسلمين ، مغذيا أفكاره من السياسات العنصرية وعلى رأسها التنظيمات الصهيونية، ومسترشداً بدعم مراكز البحث العلمي المختلفة والمؤسسات الأكاديمية والجامعات.
نجد على الجانب الآخر نكبة إعلاميين “دعاة” مفتقدين إلى منهج يُرتكز عليه وبوصلة اتجاه، وفي سبيل تحسين الإسلام وجعله مقبولاً للعقلية الغربية أو المستغربة، بدؤوا يضيقون ذرعاً بكل ما لا تقبله هذه العقلية من تعاليم هذا الدين، وإن كان مما جاءت به النصوص الصريحة، وإن كان محلَّ إجماع بين علماء المسلمين.
فثمة حقيقة هامة، وهى أن الآخر لا يخاف الإسلام بالشكل الذي نتوهمه أو كما أريد لنا أن نتوهمه وهو ما يشيعه في قنواته وإعلامه، فالدعوات الإسلامية الصادقة والحركات الفاعلة في المجتمع المسلم قد تم تصفية رقمها الأكبر و تحييد من تبقى منها في دوامة الإصلاح السياسي الذي يحسبه الظمآن ماءاً.
وللدلالة على ذلك نسوق خبر القبض على ضابط امريكى متقاعد وولده، بعد اكتشاف أنهما يخططان لاغتيال بوش، وللقيام بعمليات أخرى المفترض وفق توصيف الآخر أنها إرهابية، الغريب أن القضية لم تأخذ أية مساحة في وسائل الإعلام، فيما لو أن الأمر حدث مع مواطن امريكى من أصول عربية، أو انه يدين بالإسلام، لأصبحت القضية على صفحات الجرائد الأولى، والخبر الرئيسي في وسائل الإعلام، ولربما كانت مبررا لضرب الدولة التي أتى منها الـ”ارهابى العربي”.
خلال هذا الزخم برز إلى سطح واقعنا الآسن حيثيات خطاب اعتذاري تبريري حسب أنه بذلك ينال رضا الآخر عنه وخصوصا انه مسيطر على صناعة تاريخنا المعاصر بما يحتله من أوطان كانت يوماً في بوتقة خلافة واحدة.
فما كان من الآخر إلا أن أكمل توغله في الوعي بما يملكه من دجل إعلامي وكهانة إستشراقية ، وإرهاب فكرى، فربط بين الخطاب الديني المقاوم وبين إرهاب مزعوم لدرجة صار الإرهاب والإسلام وجهان لعملة واحدة ، فما ذكر الإرهاب إلا وقفز معه الإسلام إلى ذهنية المستقبل.
فالأمة وبحكم نكبة ابتزاز الوعي المستمر الذي مورس عليها لتوفيق خطابها مع معطيات الآخر صارت في حالة إدمان للذل – بمفهوم حضاري (!!)- يصعب عليها أن تنتقل معه إلى خانة المقاومة إلا في حالات فردية تعد على أطرف الأصابع الواحدة.
ونستدل على الطرح بدراسة أعدها الباحث الأمريكي المسلم “وليام أجيد” ـ أستاذ الدراسات الاجتماعية للشرق الأوسط بجامعة ميتشيجن الأمريكية ـ أكد فيها أن هذا النوع من الخطاب قد تحول مؤخرا إلى ما يشبه الموضة.
فالقنوات الفضائية الإسلامية برغم أن تجربتها بلغت العقد من الزمان ، إلا أن برامجها لا زالت سطحية و80% منها متكررة وقائمة أصلا على جزئية موعظة الإستبكاء والخطاب الحذر من السياسة وهو لب ما تريده العلمانية.
ولولا تدين المجتمعات الإسلامية، والتي تقبل بفطرتها على هذه القنوات وإعلامييها الدعاة لما شهدت إقبالا جماهيرياً، ولو وضعنا برامج كل هذه القنوات تحت مجهر المقارنة المهنية الفضائية مع مثيلاتها العلمانية التى يرعاها الآخر، لألفينا أنفسنا إزاء إحصائية صادمة في الكيف والمضمون والنتائج النهائية، كل ذلك شكل أزمة يمر بها الخطاب الإسلامي الدعوي.
ونتيجة حتمية للانسحاق أمام الآخر والرعونة في اللهاث خلف مرضاته – وما مبادرة دعاة الدنمرك عنا ببعيد- تولدت تلك المسوخ الملتحفة بالدعوة وامتلأت الساحة الفضائية بأجنة حركية مشوهة، فاعلة وثرية في إنتاج مصطلحات معاصرة ومشاريع إستعابية فارغة المضمون ، وفقيرة فيما يتعلق بنوازل الأمة في آن واحد.
فانصرف الإعلاميون الدعاة إلى بزنسة الدعوة حتى أن أحدهم أسس مشروع الهاتف الإسلامي مدفوع الأجر لكي يحصل الجمهور على فتواه مقابل دراهم معدودة، ذاع صيته لدرجة أنه خلال عام واحد ارتفعت المكالمات التي يتلقاها من 250 مكالمة إلى 1000 مكالمة في اليوم الواحد، فيما كان “نكبوي” آخر ينتقل إلى الأماكن الساحلية في مصر ودول الخليج العربي يحثو الدراهم والدنانير التى تدرها عليه شركته الخاصة التى تسوق حلقاته المتلفزة !!
و أهم ما يميز هؤلاء الدعاة غير المؤهلين هو انتهاج اللباقة في الحديث والاعتماد على موهبة أداء تفتقر لأجندة واعية ذات هدف محدد ووسائل شرعية تفضي إلى نتائج مرجوة، وهو ما شاهدناه في حمى الفضائيات التي تتناطح للفوز بهؤلاء لضمان اكبر عدد ممكن من المشاهدين بل وقد تستخدمه لبث إعلان “شرعي” للنهى عن سرقة الوصلة المنزلية أثناء احد البطولات الرياضية ، فلا بأس حينها بدس “الكابل” بين متون البخاري وأسانيد مسلم إمعاناً في انهيار الخطاب وتأكيداً على نكبته !!
ولسنا بصدد تتبع أخبار هؤلاء ، وإنما فرضه علينا تحويل الخطاب إلى حالة بيزنس و”سبوبة” شهدت به مجلة فوربس الأمريكية، واهتبال الآخر للظاهرة بوصفها الإسلام البديل وتوظيفها لا لتحل محل المارد المكبل بحال، ولكن على أقل تقدير لتساهم في استمرار حالة القطيع التائه بتسطيح الخطاب و مخمصة الدعوة.
خطاب الآخر الإعلامي أو حتى التنصيري – الدعوي- يتميز بالعنصرية ويرتبط بالعدوانية والرغبة في إبادة المخالف، ولكى ينجح خطابهم ،لابد من معاملتنا والحكم علينا خارج سياق وجودنا العام، فخطاب الآخر العنصري اجتزائي وانتقائي – خطاب بنديكت بابا الفاتيكان وتعديه على الرسول الكريم – ويتسم بدرجة خطيرة من التعميم، فما يقال عن العرب والمسلمين، يعتمد على أحداث جزئية تنتقل تداعياتها من مستواها المرتبط بإطلاق التعميمات المحطة من شأن الآخرين إلى مستواها المرتبط بالحض على الاعتداء والضرب وإزهاق الأرواح، ولعل ذلك الأمر يفسر تلك الحروب الدموية التي تتم وفقا لأحكام وقواعد الخطاب العنصري وجرائم الكراهية وذلك الحجم الهائل من القتل والإبادة المرتبط بها.
أخشى أن يأتي اليوم الذي في سبيل قبولنا الآخر، يفرض علينا حينها أن نعدل خطابنا نهائياً ليكون نهاية مرحلة وفاتحة أخرى نجزم فيها بأن وحدانية الله تقبل التفاوض وأن نبوة محمد صلي الله عليه وسلم محل نظر، وأن القرآن نص إنساني قابل للحذف والإضافة، وأن الشرك حرية شخصية، فهل ينتهي بنا المطاف إلى هاوية ما يريده الآخر ويخطط له؟
لا أجد جواباً لهذا إلا أن أردد ما يقوله الشاعر:
والليالي كما علمت حبالى مقْرِبات يلدن كل عجيبة..!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب وصحفي مصري
002105276035