أوقفت قوة من عناصر الشرطة التونسية أمس الأحد شقيقتين تونسيتين في محطة باب سعدون الشمالية للنقل البري، وأدخلتهما بالقوة إلى مركز الشرطة التابع للمحطة، ثم حاولت إجبارهما على التوقيع على تعهد بخلع الحجاب وعدم ارتدائه مستقبلا، بحسب بيان لجنة الدفاع عن المحجبات في تونس.
وأضافت اللجنة في البيان -الذي وصل “إسلام أون لاين” نسخة منه- أن الفتاتين “حنان وريم الدريدي” من مدينة منزل بورقيبة (شمال تونس) رفضتا بشدة التوقيع على التعهد؛ تمسكا بحقهما القانوني في اختيار ما ترتديانه؛ مما اضطر الشرطة إلى إطلاق سراحهما تحت وابل من الشتائم والعبارات المنافية للحياء.
واعتبرت المنظمة الحقوقية أن “الحملة البوليسية في مطاردة المحجبات وترويعهن عادت بقوة هذه الأيام، وتتركز بالخصوص في محطات النقل الكبرى بالعاصمة تونس”.
وطالبت المنظمة “أصحاب القرار في تونس” بالكف عن “اعتداءاتهم” على المحجبات، وناشدت غيرها من المنظمات الحقوقية وعلماء الأمة بالداخل والخارج إدانة هذه “الحملات البوليسية”.
وكان العلامة الدكتور يوسف القرضاوي -رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- قد حمل بشدة على النظام التونسي في إحدى خطب الجمعة عام 2006؛ لمنعه المسلمات من ارتداء الحجاب واضطهادهن؛ بزعم أن الحجاب “زي طائفي دخيل”.
وقال الشيخ القرضاوي في هذه الخطبة: إن “الحرب التي يشعلها النظام التونسي ليست ضد الحجاب فقط؛ وإنما ضد الله ورسوله”، مطالبا المسلمين جميعا بعدم السكوت على هذه الحرب التي انتقلت من مدارس وجامعات الدولة وأماكن العمل إلى التضييق على المحجبات في تلقي العلاج أو الولادة في مستشفيات الدولة، حسب قوله.
صيف “خفيف”
وبينما تعتبر لجنة الدفاع عن المحجبات ما يجري هذه الأيام حملة ضد الحجاب، فإن مراقبين يرون أن واقعة توقيف الفتاتين في محطة النقل تأتي ضمن “محاولات فردية يائسة” لعناصر الأمن، وليس حملة منظمة.
وبرهن هؤلاء على وجهة نظرهم بالقول: إن الحملات التي تجري منذ عام 1981 في أماكن العمل والدراسة والشوارع تشهد تراجعا هذا الصيف الحالي؛ حرصا من النظام على تحسين صورته أمام السائحات المسلمات القادمات من أوروبا وليبيا والجزائر ودول الخليج، ومعظمهن محجبات؛ وذلك لضمان استمرار تدفقهن على البلد بما يحملنه من أموال تصب في شرايين القطاع السياحي، وفقا لقولهم.
وأضاف المراقبون أن الحملات الإعلامية المتصاعدة على النظام الحاكم، والتي يقودها حقوقيون مدافعون عن الحريات الشخصية والدينية في ارتداء الحجاب، أزعجت النظام، ودفعته لتخفيف الضغط عن المحجبات لتهدئة الانتقادات الدولية.
وتأتي بعض وقائع التضييق المماثلة على المحجبات على خلفية الحملة الأمنية ضد التيار السلفي، بمعنى أنها لا تستهدف المحجبات كمحجبات، وإنما لأنها زوجة أو شقيقة أو قريبة أحد السلفيين، بحسب مراسل “إسلام أون لاين” بتونس.
وشهد شهر يونيو الماضي أحدث الحملات الأمنية المنظمة ضد الحجاب، والتي تزامنت مع موسم امتحانات نهاية العام الدراسي، ووصلت لدرجة إخراج بعض الطالبات المحجبات من قاعات الامتحان، بل ونالت بعض أقاربهن والمدافعين عنهن من جماعات حقوقية.
وتكررت وقائع رفض مسئولين في الإدارات التعليمية تسليم الناجحات المحجبات أوراقا تمهد لحصولهن على شهادات النجاح والتخرج، كما حصل مع الطالبة آمال بنت رحومة في المدرسة العليا لمهندسي التجهيز الريفي في محافظة قبلي جنوب العاصمة تونس.
وبدأت الحملة الرسمية على الحجاب في تونس عام 1981، مستندة إلى القانون رقم 108 الصادر في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، الذي يعتبر الحجاب “زيًّا طائفيًّا”، وليس فريضة دينية؛ ومن ثَمَّ يحظر ارتداؤه بالجامعات ومعاهد التعليم الثانوية، وهو ما يعارضه بشدة قطاع كبير من الشارع التونسي.
واستمرت هذه الحملة على الحجاب برغم أن المحكمة الإدارية العليا قضت في ديسمبر 2006 بعدم دستورية القانون رقم 108 أو أي قانون مماثل، مؤكدة أن القوانين التي تمنع ارتداء الحجاب بتونس غير شرعية وغير قانونية؛ لمخالفتها الدستور.
وبناء عليه، قضت نفس المحكمة أواخر العام الماضي ببطلان قانون مشابه، وهو القانون رقم 102 لسنة 1986، خلال دعوى قضائية رفعتها المدرسة سعيدة عدالة، ردا على قرار وزير التربية العام حينئذ بإيقافها عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، وحرمانها من الراتب؛ نظرا لارتدائها الحجاب.
واعتبرت المحكمة أن القانون 102، الذي يمنع ارتداء الحجاب بمختلف أشكاله في أماكن الدراسة، “يتدخل في مجال الحريات الفردية، ومنها اللباس، الذي يعد تعبيرا عن الانتماء الحضاري والديني والفكري للشخص وميوله الشخصية