إن من أهم سياسات الدول الغربية عند احتلالها للبلدان الأضعف أن تؤسس لإقامة مشكلة فيها من الصعب تجاوزها في حالة انسحابها من المنطقة التي تحتلها سواء كان ذلك الانسحاب برغبتها أو رغما عنها وفي الغالب يكون الاحتمال الثاني هو الأقوى بفعل جهاد أبناء البلد ونضالهم للتحرير , وقد امتازت بريطانيا بحكم كونها الدولة العظمى وصاحبة السيادة في القرار العالمي مع بدايات القرن العشرين بالخصوص في إثارة المشاكل في البلدان التي تخضع لاحتلالها بكثير من الخبث في استخدام مبدئها سيء الذكر فرق تسد لتفرض هيمنة سهلة على تلك الأقطار حيث تجعلها دائما في حالة صراع بين أبنائها ثم تلتها أمريكا في استخدام نفس السياسة بعد أن بدأت تشاركها في موقعها السيادي بعد أفول نجمها حتى باتت هذه طريقة تستعملها الدول الغربية فتبث من خلالها السموم بين شعوب وأمم الأرض بين أبناء البلد الواحد أو البلدان المتجاورة , ولنا في تاريخ الإنسانية الكثير من الشواهد التي تدلل على ذلك أبان فترة الاستعمار الغربي وخصوصا في آسيا مثل مشكلة كشمير التي وضعتها بين الهند وباكستان بعد أن قسمت شبه القارة الهندية التي كانت موحدة في ضل الاحتلال البريطاني إلى دولتين , ومشكلة كوريا التي قسمتها أيضا إلى دولتين وقيادتين متناحرتين رغما عن إرادة الشعب وكذلك مشكلة الصحراء الغربية في المغرب العربي , وحتى العراق حيث تعتبر مشكلة ولاية الموصل ورقة الضغط البريطانية عند احتلالها للعراق مارست من خلالها الكثير من الأساليب القذرة في تمرير ما يخدم مصالحها في العراق أو المنطقة وكذلك مشكلة لواء الاسكندرونة بين تركيا وسوريا ومشكلة الاحواز كإمارة عربية كاملة بكل مقوماتها ساعدت الفرس على ابتلاعها , ولا يعتبر الانسحاب البريطاني من الجزر العربية الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى واحتلال تلك الجزر من قبل الفرس في تحدي سافر للسيادة العربية الشرعية على أراضيها وأمام كل العالم رغم إن القوانين الدولية تحمل بريطانيا مسؤولية تسليمها إلى دولة الإمارات , أقول لا يعتبر هذا الانسحاب خاتمة تلك السياسات الخبيثة في بلدان العالم التي ابتليت بطمع الغرب وعدوانه فقد كان العمل على زرع كيان لقيط في قلب أهم منطقة في العالم على حساب العرب أبشع ما أنتجه العقل العدواني الغربي خلف من المآسي ما يندى له جبين الإنسانية وتدينه الأعراف السماوية والبشرية .
بعد أن تزعمت أمريكا العالم على اثر انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وكشرت عن قبح أنيابها عادت إلى سياسة الاحتلال العسكري التي أصبحت منبوذة في المحافل الدولية وحتى بين الدول الغربية التي تتشدق كذبا بحقوق الإنسان والحريات والديمقراطية وغيرها من الكلمات والألفاظ التي ترن في المسامع ولا تجد لها اثر في الفعل حتى بين شعوبهم داخل بلدانهم , بعد أن غزت أمريكا بجيوشها التي تصرفت بكثير من الوحشية لتدلل على ما تكونت عليه كدولة ذات نزعة عدوانية كارهة لشعوب الأرض , عادت إلى استخدام نفس أساليبها القديمة وأساليب أمها بريطانيا في الخبث بالتعامل مع الشعب العراقي فأسست لفرق الموت وقسمت العراق على أساس عرقي وطائفي ولم تستطع إخفاء وجهها الذي يعبر بوضوح عن نواياها وغذت عملائها بأسباب القوة والعبث فوضعت دستورا لا تفوح منه إلا الفرقة والتناحر والتنافس على السلطة فانبرى أصحاب التبعية الفارسية من آل طباطبائي الحكيم ومن التحف بعباءتهم إلى بسط نفوذهم في جنوب العراق بالقوة والترغيب والترهيب واستغلال الفكر الطائفي المتطرف والتستر بالممارسات التي تستجدي عواطف الناس لنصرة أهل البيت (ع) حيث سخرت هذه المسألة بشكل كبير إلى تجنيد العملاء من ضعاف النفوس ومن فاقدي الوطنية وإضعاف الولاء للوطن مقابل تنمية الاتجاه إلى الفرس كحامي للطائفية .
إذا كانت إدارة بوش في أمريكا بناءا على التحالف الأمريكي – الصهيوني – الفارسي ولغايات ومصالح معينة تخصها وتخص سياستها الإقليمية قد تركت للفرس في الجنوب اليد الأطول في تنمية الرغبة بالانفصال تحت شعار الفدرالية فقد تركت القاعدة تعبث في الوسط من خلال التفجيرات التي طالت الأبرياء وتمارس التهجير الطائفي يساعدها في ذلك أحزاب ومليشيات ذات طابع طائفي بواجهات إسلامية تم تأسيسها لهذا الغرض وأصبحت تثير الفتنة من خلال مليشياتها التي انتشرت في العديد من مدن العراق لهذا الغرض بينما تعاونت القاعدة مع فرق الموت التي أسسها عملاء الفرس وقسم من دول الجوار لرعاية مصالحها على استهداف العلماء والمثقفين والوطنيين والتهجير الطائفي يكمل بعضهم البعض وأخيرا أنجبت فرق الموت مسخا جديدا أسموه فرق الصحوة ليكون أداة جديدة وبيادق تحركها القوات الأمريكية لضرب الشعب العراقي .
أما المنطقة الشمالية فسادت فيها فرق البيشمركة التي تديرها المخابرات الصهيونية منذ مدة طويلة فكانت قد استعدت لفرض هيمنتها على المنطقة والتأسيس لنواة دولة كردية على المدى البعيد فبعد أن أتمت استعداداتها في محافظات الحكم الذاتي أخذت تتمدد على المناطق العربية باستخدام أسلوب المخابرات الصهيونية فتارة تمارس التهجير العرقي عن طريق الطرد المباشر وأخرى عن طريق الإرهاب والتفجيرات وثالثة عن طريق الاستهداف المباشر والتصفية
الجسدية يرافق ذلك تعتيم إعلامي وتغطية عسكرية أمريكية .
الجسدية يرافق ذلك تعتيم إعلامي وتغطية عسكرية أمريكية .
إن شعبنا العراقي الذي خبر السياسات العدوانية الاستعمارية خلال تاريخه المجيد كما خبر أطماع الفرس وغيرهم في بلادنا لذلك فوت الكثير من الفرص التي خلقتها إدارة الاحتلال وعملائها وتجاوز الكثير من دواعي نشوب حرب طائفية ومذابح بين أبنائه , بينما فشل عملاء الاحتلال في إخفاء أطماعهم ونواياهم في سرقة خيرات الشعب , فعناصر حكومات المليشيات يشكلون ائتلاف ويفضون آخر ويتكتلون في تجمع ويتفرقون في آخر حسب مصالحهم الشخصية وسياسة أسيادهم حتى بلغ الأمر إلى ما لابد منه فاختلفوا على تقسيم كركوك كأنها ضيعة من ضياع أهاليهم , فالأحزاب الكردية العميلة تطمح إلى السيطرة على ثروات المدينة لتمويل مشروعهم الانفصالي الذي يدركه خصومهم السياسيين الجدد فيعارضونه وتتعمق الخلافات حسب عمق النوايا متناسين إن العراق واحد ورقم غير قابل للقسمة .
وشر البلية ما يضحك فقد صرح العميل مسعود برزاني خلال تواجده في كركوك يوم الجمعة 8 آب الجاري إن العرب في مجلس محافظة المدينة لا يمثلون كل عرب كركوك وكذلك التركمان لا يمثلون كل التركمان وكأنه هو من يمثل كل الأكراد وهو يعرف حق المعرفة إن العراقيين عرب وأكراد وتركمان وكل أطياف الشعب في كركوك أو غيرها يرفضون أي تقسيم عرقي أو طائفي أو أي تقسيم آخر يضعه الاحتلال أو عملائه وكل مشاريعهم زائلة مع زوال السبب الرئيس لها وهو الوجود الأمريكي الذي بات سقوطه وشيكا بفعل ضربات المقاومة العراقية الباسلة التي تجمع كل العراقيين وتوحدهم .
وسيبقى العراق واحد ولن يكون إلا واحد .