بدأت الدعوة لإلغاء عقوبة الإعدام في أواسط القرن التاسع عشر بالولايات المتحدة الأمريكية وبلغت ذروتها في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين لتشمل بعد ذلك دول الاتحاد الاوروبى حالياً وعددا من بلدان العالم. ولاقت الدعوة لإلغاء عقوبة الإعدام صدى واسعا لدى المنظمات العربية المهتمة بحقوق الإنسان التي ركزت على أن الإعدام يلغي حق الحياة الذي هو أهم حق من حقوق الإنسان حسب تعبيرها
فالدكتور عمار القربي رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سورية يقول: (إن الدولة التي تأخذ بتطبيق عقوبة الإعدام، تخلّ بقواعد العدالة ومعاييرها، وتنتهك حقاً مقدساً للإنسان، هو حقه في الحياة، بدون أدنى مراعاة لكرامته الإنسانية الأصيلة المرتبطة بذاته، وغير المنفصمة عن شخصه منذ ولادته المتسمة بالبراءة والطهارة، بصرف النظر عما آلت إليه مسلكيته الذاتية، وما ارتكب من أفعال جرميه، هي وليدة الأوضاع والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها، والمسببة لهذه الأفعال.
إن حق الحياة لأهميته ، قد أملى على المجتمع البشري إصدار مواثيق ومعاهدات وبروتوكولات تهدف إلى إلغاء التشريعات والممارسات التي تنتهك منه او تنتقصه، وأهمها على الإطلاق إلغاء عقوبة الإعدام).
في حين ما تزال هذه العقوبة حسب الكثير من المواطنين رادعا أساسيا للمجرمين (فصقر درويش موظف) يقول: (رغم قسوة عقوبة الإعدام إلا أنها رادع للكثير من الجرائم ، إن هناك من الجرائم التي يرتكبها البشر ما يستحق عليها ما هو أقسى من الإعدام مثل الفساد في الأرض وهتك الأعراض ونشر الفساد وتجارة المخدرات والقتل كيف نقتص منه هل نرعاه فى السجن سنوات ثم يخرج في عفو أو في انقلاب؟!
ولا تبتعد رجاء علي (قابلة قانونية) عن الرأي السابق (في بعض الجرائم كاغتصاب الأطفال وقتلهم والخطف مع القتل لا يمكن التساهل معها إذ كيف سيرتاح أهل الضحايا ويأمن المجتمع إذا كان المجرم سيخرج من السجن بعد فترة وربما يتابع جرائمه فالإعدام عقوبة مهمة ليشعر المجتمع بالاستقرار والأمن.
طلال محفوض صاحب مكتبة يقول: (الإعدام إذا كان مطابقا إلى الشريعة الإسلامية فلا يحق لنا الحديث في أمر جاء به المشرع،أما في ما يحدث من أمور الدنيا من الكيد السياسي أو نحو ذلك فهذا أمر يرفضه العقل تماما).
الدكتور جلال نوفل الاختصاصي بالطب النفسي يعارض رأي الجمهور فيقول: هناك حدان يفرضان إعادة النظر بحكم الإعدام أولهما أن القتل ينجم عن اضطراب نفسي كالفصام أو الاضطراب الوهمي أو الاكتئاب أو اضطراب شخصية معادية للمجتمع وهذا يحتاج التبصر في اعتبار ذلك مانعا لتنفيذ عقوبة الإعدام والتفكير بوسائل تشخيص مبكر وعلاج مجد، والحد الآخر هو تبديل ذهنية الثأر والانتقام بذهنية حماية الأفراد والمجتمع عبر تأمين مؤسسات تساعد القاتل باعتباره خاطئا وتسعى لا صلاحه.
والسؤال المقلق هو إن لم يؤمن المجتمع طريق الإصلاح وأدواته ولا يشعر الناس بالأمان والحماية فهل قتل القاتل يحمي المجتمع من قتل لاحق؟ وهل تعفينا من البحث في منابع المجتمع عن دوافع العدوانية والقتل والسعي لتجفيفها إن أمكن؟
أعتقد أن الجواب لا على كلا السؤالين وربما تسعفنا الإحصاءات في مجتمع لا يطبق عقوبة الإعدام ومجتمع يطبقها في تبيان أثر هذه العقوبة الرادع على تراجع نسبة القتل والجرائم التي تستحق الإعدام؟
في إجابة تعزز وجهة النظر القائلة بإلغاء عقوبة الإعدام واستبدالها بإجراءات وقاية اجتماعية أفضل وإجراءات معالجة أفضل تاليا لوقوع الجريمة.
الدكتور كريم أبو حلاوة رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة تشرين اللاذقية كان متفقا إلى حد ما مع الدكتور نوفل: (الغاية من العقوبة هي العدل وليس الانتقام لذلك يصبح إصلاح المجرم أو الشاذ هو الهدف، الغرب التقط هذه الفكرة فميشيل فوكو في كتابه تاريخ العيادة بين أن السجن والشعوذة والكنيسة..هي صيغ متعددة لقمع النزعات الحيوية للإنسان (الجنس- الفن- الحرية…) الضبط وسيلة لغاية هي عودة الحياة إلى طبيعتها أما الإعدام فيعني الانتقام، والمجتمع المنتقم مجتمع ضعيف، والسبب الأهم لرفض عقوبة الإعدام هو أن حق الحياة هبة من الله ولا يجوز لأي جهة أو شخص أو جماعة سلبه منها تحت أي اعتبار.
الدكتور المهندس مهند علوش والمهتم بالفقه الإسلامي وافقت قناعته قناعة الجمهور قائلا: (كان لدى العرب سابقا عبارة بليغة تقول (القتل أنفى للقتل) فإذا أردت أن توقف القتل فلا بد من قتل القاتل، هذا كان زمان، بعد مجيء الإسلام أصبحت القاعدة قول الله سبحانه وتعالى (..ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب) إذا أردنا المحافظة على الحياة فأفضل طريقة هي معاقبة المسيء لأن المشكلة إذا عرف المسيء أن لا عقاب بانتظاره سيتمادى بجرائمه، فالسرطان داء خطير يصيب الجسم فلابد حين معالجته من بتر أحد أعضاء الجسم أو استئصال قطعة منه فرغم الألم الذي يسببه هذا للجسم لا محيد عن الاستئصال..فالمجرم الذي يرتكب جرائم بشعة ويفرج عنه سيخطط لجرائم أخرى، مجتمعنا يتميز بالأمان والأمن وأرى أن هذه الدعوات تريد انتزاع أغلى ما نملك وهو الأمان…(فليعبدوا رب هذا البيت الذ
ي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) فالشخص الذي لا يشعر بالأمان لن يستطيع العمل أو الزواج ..لكن ينبغي أن يكون لعقوبة الإعدام ضوابط تعتمد القرائن والأدلة وحق التقاضي ..فكان والدي رحمه الله رئيس محكمة النقض في سورية يقول: (إطلاق سراح ثلاثين متهما أفضل بما لا يقاس من إعدام بريء واحد) وجاء في الآية الكريمة (سورة المائدة) : (..من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا..)
ي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) فالشخص الذي لا يشعر بالأمان لن يستطيع العمل أو الزواج ..لكن ينبغي أن يكون لعقوبة الإعدام ضوابط تعتمد القرائن والأدلة وحق التقاضي ..فكان والدي رحمه الله رئيس محكمة النقض في سورية يقول: (إطلاق سراح ثلاثين متهما أفضل بما لا يقاس من إعدام بريء واحد) وجاء في الآية الكريمة (سورة المائدة) : (..من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا..)
المحامي خليل مرعي معتوق الناشط الحقوقي المستقل حاول أن يكون موضوعيا بنظرته لعقوبة الإعدام: (إن عقوبة الإعدام عقوبة خطيرة جدا ومن المفروض أن تأتي بعد محاكمة طويلة ودقيقة مع تأمين حق الدفاع العلني عن المتهم وإبداء كل ما من شأنه إثبات براءته مع شرط تحقق النزاهة للقضاء والقضاة ..
عقوبة الإعدام عقوبة متبدلة فمرة تلغى وأخرى تفرض وتشرع ومن وجهة نظري أرى ضرورة الإبقاء على عقوبة الإعدام في قانون العقوبات مع تقييد تنفيذها بحالات محددة ومعروفة سلفا، لأنه إذا ألغيت عقوبة الإعدام فالمجرم سيكون مطمئنا لفعله مهما كان خطيرا وخاصة في بلادنا حيث هناك قوانين عفو متلاحقة فيبقى لديه الأمل بالخروج من السجن ليعاود إجرامه وخاصة جرائم خطف الأطفال وقبض فدية عليهم والقتل الجماعي كما أن إلغاء عقوبة الإعدام يفتح المجال أمام العدالة الثأرية ويتمثل ذلك بجواب والد طفل صغير اختطفه مجرم في فرنسا وطالب بالفدية ثم خشي أن يعرفه الطفل فخنقه ثم اكتشف أمره، قال الوالد: (حين قتل ولدي أحسست أنه يناديني لقد صرخ بابا..لذلك فانه وكلني بالاقتصاص له فإذا أفرج عن قاتله ولو بعد زمن طويل فاني سأثأر لطفلي وأقيم العدالة بنفسي) وردت الحادثة في كتاب الدكتور عبد الوهاب حومد.
إن التشدد بالعقوبات والإبقاء على عقوبة الإعدام حاليا حاجة مرحلية ماسة طالما المجتمع عاجز عن حل اشكالياته التي تنتج جرائم محددة ومعروفة سلفا…
كاتب صحفي –عضو المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان