ورغم أنني لست متهما كي أدافع عن نفسي أقول بأن الخوف لا يعيبني وليس الخوف عارا أتوارى منه،ولكن في موضوع الكتابة أزعم وأؤكد أن الخوف لا ينتابني،وأن رضا الله عندي فوق رضا البشر،وأحمد الله أن هناك أرشيفا لو كلفوا أنفسهم عناء الرجوع إليه لما اتهموني بالخوف والجبن فقبل أربع سنوات حملت على الفساد والمفسدين،وقيل وقتها أن العبد الفقير إما «مجنون» أو «مدعوم» وبعضهم «شطح» بخياله وقال بأنني مجند من بعض الأقطاب أو الدول أو الأشخاص لمحاربة آخرين إعلاميا!!
وآخرون نصحوني باستخدام اسم مستعار بدل اسمي الصريح فرفضت رفضا قاطعا وسأظل رافضا لهذا النصيحة ان شاء الله..ذاك زمان كان له متطلبات تقتضيها أمانة الكلمة المكتوبة،واليوم نحن في زمان تقتضي تلك الأمانة التروي لا حرصا على الذات وخوفا عليها،رغم أن هذا ليس عارا كما قلت،بل لإرضاء الله جل وعلا ،ولتبني لغة بناءة جديدة في وقت أصبحت اللغة هدّامة بكل ما تحتوي الكلمة من معان وتبعات نراها عبر الشاشات ومواقع الإنترنت والصحف المطبوعة.
طبعا هذه المقدمة من نحو عشرين سطرا بعد العنوان كانت شخصية بحتة في ظاهرها،ولكنها في صلب الموضوع ولا تبتعد عن الواقع المرير الذي نحياه،وسأوضح هذه الفكرة:-
· من يتحدثون أو يكتبون أو يصرحون أو يرسمون رسوما كاريكاتورية هم في أغلبهم انقسموا إما مع هذا الطرف أو ذاك ،وإذا اخترت أن أكون منهم فماذا سأضيف برأيكم؟وأنا أؤكد أن جماهير شعبنا في الداخل والخارج قد ملّت من تكرار جمل وعبارات وباتت تشعر بالاشمئزاز والقرف والإحباط واليأس واللاجدوى …نعم ملّ الناس من مقولات:-
الشرعية…الانقلاب الأسود…الحسم العسكري…ميليشيات..عصابات…أجهزة أمنية…الخونة والعملاء…تبعية إيران وسوريا…العمالة لواشنطن وتل أبيب…الانقسام….مؤتمر صحفي لفلان أو تصريح أو مقابلة مع علان…دايتون وفريزر…جولة عربية أو إسلامية أو أوروبية…..انتخابات مبكرة…فلتان أمني…فساد مالي….
لا أؤكد فقط بل على استعداد أن أقسم رغم أنني لا أحب حلف الأيمان أن الناس قد ملّوا من سماع العبارات المكرورة السابقة وما هو على شاكلتها أو الجدل حولها ،بل لقد ملّ الفرد الفلسطيني من العبارات الإيجابية والخيرة مثل :الحوار الوطني وإعادة اللحمة للوطن وإنهاء حالة الانقسام ووحدة الصف في وجه الاحتلال؛لأنه لا يجد لتلك العبارات الإيجابية الخيرة تطبيقا ،بل حالها حال قصيدة بعنوان «المنشق» للشاعر العراقي المبدع أحمد مطر في لافتاته المميزة إذ يقول:-
أكثر الأشياء في بلدتنا
الأحزاب
والفقر
وحالات الطلاق
عندنا عشرة أحزاب ونصف الحزب
في كل زقاق!
كلها تسعى الى نبذ الشقاق!
كلها ينشق في الساعة شقين
وينشق على الشقين شقان
وينشقان عن شقيهما
من اجل تحقيق الوفاق!
جمرات تتهاوى شرراً
والبرد باق
ثم لا يبقى لها
إلا رماد الإحتراق!
* * *
لم يعد عندي رفيق
رغم أن البلدة أكتظت
بآلاف الرفاق
ولذا
شكلت من نفسي حزباً
ثم إني
– مثل كل الناس –
أعلنت على الحزب انشقاقي !
· آخرون وجهوا سهامهم نحو الفصيلين الكبيرين بأنهما أضاعا القضية وأدخلا الشعب في نفق مظلم؛وأن مفاوضات فتح عقيمة وعبثية ولهث خلف سراب ،وحماس لا تقاوم وتسعى لتثبيت التهدئة مقابل بعض أكياس الإسمنت واسطوانات غاز الطهي،وزينوا لأنفسهم بأنهم بهذا التوصيف والتحليل أدّوا واجبهم وبرءوا ساحتهم ،وكان لا بد لهم من بعض «البهارات» التي يريدون بها الإجابة عن السؤال:وما الحل إذن يا سادة؟فأطلقوا نصائح هي «كلاشيهات» جاهزة محفوظة عن ظهر قلب لعبارات عمومية مطاطة تحتمل تأويلات عدة،أو تتصف بمثالية بعيدة عن الواقع وما آلت إليه الأمور بين القوتين الكبيرتين.
· أما بعض حملة الأقلام من إخواننا العرب فانتهزوا فرصة ما يجري وصبو
ا علينا براكين أحقاد لا ينبغي لمسلم أو عربي أن يحملها تجاه أخيه؛فاعتبروا أن الشعب الفلسطيني غير قادر على أن يحكم نفسه بنفسه،وأن قسوة الفلسطيني تجاه أخيه الفلسطيني تفوق قسوة الصهاينة على هذا الشعب،وأنهم يشعرون بالندم على دعمهم السخي الذي لا مثيل له في التاريخ للشعب الفلسطيني الجاحد!ولهؤلاء أقول:اتقوا الله فيما تكتبون،فعند الله تعالى ستسألون ،وعلى كل كلمة أنتم يوم القيامة محاسبون،وعليكم أن تتذكروا أنه لولا صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني لوصلت بساطير جنود «تساهال» مئات الأميال في عمقكم ،ولكن هذه الفئة من الكتّاب العرب لا تعبر عن نبض الشارع العربي الذي يتوق لنصرة شعبنا ولكن هناك ما يحول بينه وبين ذلك،وهذه الفئة أيضا احترفت توجيه الكلام الجارح لشعبنا بكل قواه وفصائله،والغمز من قناته عبر السنوات الماضية؛فإذا قاومنا قالوا:هذه مراهقة سياسية بعيدة عن الواقعية وانتحار وعبثية ستدمر القضية،وإذا هدأت الأوضاع نسبيا تشفوا وقالوا بأننا «رضخنا» لضغط الاحتلال واستبدلنا الحرية والسيادة بمتطلبات الحياة اليومية….وحسبنا الله ونعم الوكيل وأسأل الله أن يهديهم أو يخرسهم!
وما الحل…وماذا بعد،،،
بناء على ما سبق اخترت ألا أغرق نفسي بما غرق الآخرون فيه من تحزب شوفيني ،أو نزع الخيرية من الجميع وشتم و اتهام كل من على الساحة دون تقديم حلول منطقية،أو مثالية مسرفة لا تلامس الواقع ولو قليلا،وينبغي أن أوضح أنني بما تقدم من كلام لا أقصد أن شعبنا قد ملّ من حركتي فتح وحماس؛لا إطلاقا،ففتح وحماس لا زالتا تستقطبان معظم أبناء شعبنا في الداخل والخارج ،وواضح عجز وفشل الحركات الأخرى عن الحلول مكانهما،ما قصدته أن الشعب الفلسطيني بما فيه أبناء وحتى قادة الحركتين الكبيرتين سئم الاختلاف المفروض عليه ،والذي استمر نتيجة الفعل ورد الفعل في حلقة وجدوا أنفسهم يدورون فيها ،وتخصص الإعلام في تسليط الضوء عليها،فلا يهم تهويد القدس أو تحويل مقابرنا إلى حظائر أو فلتان المستوطنين وسعارهم ضد سكان القرى والمدن،ولا الاعتقالات الليلية المتواصلة،ولا الاغتيالات التي لم تتوقف؛كل هذا لا يستحق من التغطية والتحليل والتعقيب والمتابعة إلا دقائق شحيحة معدودة وبفتور لا يخفى على أي ناظر،بينما اختلافنا وقل اقتتالنا هو الأهم والأحق بالتغطية المتواصلة ولو أدت تلك التغطية لزيادة التوتر وترسيخ الضغينة والكراهية فيما بيننا!
والمواطن العادي إذا أردنا أن نكون واقعيين طحنته متطلبات الحياة في ظل الفقر والبطالة والغلاء الفاحش ،وعدم الشعور بالأمن ،فعزف ولو نسبيا عن السياسة ولم يعد الهمّ الوطني العام في رأس سلّم أولوياته،خاصة طبقة العمال الكبيرة،وما تعانيه من ضيق وشظف في معيشتها.
ليس عندي حلّ سحري ،ولو كان عندي مثل هذا الحل،فلست في موقع صنع القرار،ولا حتى قريبا من هذا الموقع،ولكن الدين النصيحة،وهنا لا بد من نصيحة من يقدمون الحلول أو يقدمون النصائح والاقتراحات،وأخص بالذكر من يرون أن الحل الشافي والمخرج الحقيقي هو في التعجيل في إجراء الانتخابات العامة المبكرة!
هؤلاء لا ادري ما جرى لهم ،فهم لم يتوقفوا عن طرح هذا الحل منذ نحو عامين علما بأن دورة المجلس التشريعي الحالية انقضى أكثر من نصفها،والتحضير لانتخابات مبكرة قد يستمر شهورا طويلة،لا تبقي وقتا للموعد الرسمي،فما بال هؤلاء قد صدّعوا رءوسنا بطرح هذه الفكرة ولا يعرفون الكلل أو الملل في تكرارها من فوق أي منبر؛آن لهؤلاء أن يتوقفوا وأن يبحثوا عن فكرة أخرى أو أن يصمتوا،وبالنسبة لي فقد كتبت مقالا تحت عنوان «الانتخابات المبكرة لا تحل المشكلة» وذلك في أيار/مايو 2007م وأنا لا زلت مصرّا على أن هذه الانتخابات لن تحل المشكلة،لأن إجراء الانتخابات تتطلب توافقا وطنيا وهو ما نفتقده أصلا هذه الأيام،ولعل هؤلاء ينطلقون من طرح هذه الفكرة من تحليل يرى أن حركة حماس لن تحصل على أغلبية فيها أو حتى أن حماس ستحصل على لاشيء!ولا أريد الدخول في عملية تحليل اقتراعي افتراضية الآن،ولكن على فرض أن هذا حصل،فاعلموا أنه في اليوم التالي سنسمع الجدل حول هذه النتيجة المفترضة وتبعاتها،وستقول الأغلبية بأن على حماس كأقلية أن تلتزم برأي الشعب الفلسطيني وأنه مطلوب منها تفكيك وحل جناحها العسكري ودمجه في أجهزة السلطة الرسمية،وسترد حماس بأنه طالما هناك احتلال فالمقاومة حق مشروع وسلاحها شرعي و المساس به من المحرمات ،ثم يحتدم الجدل عبر الفضائيات ومواقع الإنترنت وصولا إلى حمل السلاح والتقاتل وسفك الدماء من جديد ،وأتمنى على من يدعون ويروجون لفكرة الانتخابات المبكرة،والدعوة لحكومة انتقالية تسبق هذه الانتخابات وضع هذا السيناريو المؤكد نصب أعينهم ،وعليه فإن فكرة الانتخابات المبكرة بل لربما فكرة الانتخابات بمجملها في ظل المعطيات على الأرض هي فكرة خاطئة مئة بالمئة.
وبناء على المعطيات الحالية أقول:-
عادة عندما تحدث كارثة مثل الزلازل أو الفيضانات ويتشرد الناس فإن الأولوية هي إنقاذ حياة من هم تحت الخطر وإجلاؤهم وإسكانهم في بيوت أو خيام مؤقتا،ثم التخطيط والتمويل ثم الشروع في إعادة ترميم وإعمار ما دمرته الكارثة حتى تعود الحياة في المنطقة المدمرة إلى طبيعتها ،فالحل المرحلي هو إنقاذ الناس وإيواؤهم في مساكن مؤقتة،والحل الاستراتيجي أو الدائم هو في عودتهم إلى منازلهم التي يعاد بناؤها؛والمريض أو المصاب بحادث أول غرفة يدخلها في المشفى هي غرفة الطوارئ لتقديم الإسعاف الأولي قبل تحويله للقسم الذي يعالج حالته بشكل دائم؛ونحن هنا أشبه بمن حلت به كارثة أو أصيب في حادث،أي أننا بحاجة لحل مرحلي قبل الانتقال للحل الدائم والأهم والذي هو هدف وأمل الجميع،ونلاحظ أن البعض يطرح الحل الدائم الاستراتيجي لمشكلتنا الداخلية قبل طرح الحل المرحلي،ربما اعتقادا بأننا لا نحتاج إلى حلول مرحلية،وقد تبين أن الحل بل الحلول المرحلية ضرورة للوصول للحل المثالي الدائم(إنهاء الانقسام والوحدة الوطنية وتوجيه البوصلة نحو الهدف الوطني الأساسي…إلخ).
والحل المرحلي هنا يكمن في إنهاء أو تخفيف حالة التوتر عبر الإسراع في إبرام صفقة تبادل الأسرى،أي إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط مقابل تحرير عدد معقول من الأسرى ومن «نوعية خاصة» فهذا كفيل بتخفيف حالة التوتر،لأن الأسرى هم من كانوا قادة في الميدان وعملوا سويا في المقاومة ونسقوا جهودهم وجهود تنظيماتهم ،وغيابهم عن الساحة كان له دور كبير فيما آلت إليه الأمور،ولنتذكر أن من تم تحريرهم في صفقة التبادل مع الجبهة الشعبية-القيادة العامة(أحمد جبريل) عام 1985م هم من قادة الانتفاضة الأولى ،وحرية الأسرى تفرح قلب كل فلسطيني مهما كان انتماؤه،فالاجتماع على الفرحة بهذه الحرية ينسي ويخفف بل قد يزيل الاحتقان والخلاف القائم،لا سيما أن الأسرى جمعهم قيد السجان بعدما قاتلوا وعملوا سويا في الميدان.
وبصراحة فإن أزمة القيادة لدينا واضحة رغم أننا نحاول إخفاءها،فالأسرى هم أهل لهذه القيادة أو للمشاركة بشكل أساسي فيها؛وبعد تحرير الأسرى يسهل على حركة فتح عقد مؤتمرها العام السادس ووضع النقاط فوق الحروف خاصة فيما يتعلق بالمفاوضات والمقاومة المسلحة وبناء شراكة وطنية حقيقية،وفتح ملف اغتيال الرئيس عرفات الذي غيّبه الاقتتال؛وحركة حماس سيكون بإمكانها إعادة ترتيب صفوفها وتفعيل طاقاتها وفتح صفحة جديدة من العلاقات مع حركة فتح،واتخاذ قرار بالاستمرار في المشاركة في السلطة من عدمه،بل إن هذه الصفقة ستفتح بجدية ملف منظمة التحرير لتكون إطارا جامعا وممثلا حقيقيا للشعب الفلسطيني.
من يعلق الجرس،أي كيف نسرع بإنجاز تلك الصفقة،خاصة و أن الكيان العبري يدرك أهميتها وتبعاتها ويعي ما ذكرته في السطور السابقة فيتعنت ويسعى لتحرير شاليط بعدد ونوعية من الأسرى يريد هو تحديدها؟الموضوع بيد المصريين،ويمكن لمصر إنجاز تلك الصفقة بما تمتلكه من تأثير،وعلى كل قادة الفصائل وفعاليات شعبنا التوجه والإلحاح على مصر للإسراع في إبرام هذه الصفقة باتباع أساليب جديدة في الخطاب مع الإسرائيليين ،ويعرف المصريين ويدركون ما أعني ولا داعي لذكره صراحة هنا.
في هذه المرحلة على كل من هو معني بإزالة أو تخفيف حالة التوتر الداخلي أن يسعى لإتمام صفقة التبادل ،وأنا أزعم أنها ستقلب كثيرا من الوقائع المريرة التي نحياها،وستكون البداية الحقيقية والسريعة لتوجيه البوصلة نحو القدس من غزة ورام الله بدل التوجه القائم حاليا هنا وهناك،وليكن هناك إجماع لدى كل الطبقات السياسية ونشطاء الإعلام والتعبئة أن هذا هو الحل المرحلي الذي يجب أن يساهم فيه الجميع،فليضغط المصريون اليوم قبل الغد بما يمتلكونه من خبرة وأوراق لإتمام هذه الصفقة،لأن تخفيف التوتر الداخلي يعنيهم ولطالما سعوا للوصول إليه،وإلا –ومع الأسف- يجب البحث عن وسيط جديد أوروبي أو دولي لإبرام هذه الصفقة لأنها الكفيلة بإخراجنا من الدوامة التي نعيش فيها!
،،،،،،،،،،
سري عبد الفتاح سمور
قرية أم الشوف المدمرة قضاء مدينة حيفا المحتلة
حاليا:جنين-فلسطين المحتلة
الأحد 9/ شعبان/1429هـ ،10/8/2008م
بريد إلكتروني:-
مدونة:-