ورقم بطاقتي خمسون ألف
واطفالي ثمانية
وتاسعهم سيأتي بعدصيف
فهل تغضب؟!
أه يا دموع تتحشرج بالقلب ، فكلما اسدلت ستارة سوداء ، وكلما تجاوزنا صفعة قاسية من الزمان ، دثرتنا أهازيج الفرح بدموع أصبحت تسري في وادي قاحل هجرته طيور النورس ، وألحان الصباح وتغريبة المساء ، تسمعنا نحيب ونحيب ، نحيب من الفجر للفجر ، ومن المساء للمساء ، نحيب لا زال يحمل خيمة ثائرة باسم ” أنا عربي ” خيمة أوتادها من حبر بلون الدم ، وبداخلها طفلٌ يغني لفلسطين ، صرخ وصدح بالآه مع كل تغريبة شوق وشجون تبحث عن لحن يعزف موسيقاه الحزينة في بهاء الدار الواسع …
سجل… انا عربي
… واعمل مع رفاق الكدح في محجر
واطفالي ثمانية
اسلّلهم رغيف الخبز والأثواب والدفتر
من الصخر
ولا اتوسل الصدقات من بابك
ولااصغر امام بلاط اعتابك
فهل تغضب ؟!
أراك وأن تسجل هويتنا تهاجر مع طيور العنقاء ، تلوح لنا بالبقاء بصوت حاني تحلم فلسطين في سماء توشحت بالسواد وبالآه ، وبالفراق ، ونحن نـأمل بعيون شاحبة ، صامتة لا ضوضاء حولها سوي نبضات قلب تعزف سمفونية ألم ، وتشدو لحن قاسي على أوتار قيثارة الفاجعة ….. الآن الآن بدأنا نرتل سجل أنا عربي ، ونرتل معها قداس في كنائس تقرع أجراسها حزنا ، ومساجد تكبر مآذنها بكاءاً ، ونحن نبحث عن لوحة مزتانة بألوان زيت الزيتون ، وقصيدة كتبت بحبر الأرض .
فماذا سنسجل اليوم يا فارسنا المرتحل ونحن نعيش في ضوضاء الغربان ؟
سرقوا منا كل شيء ، حتى أنت سرقك الفراق منا ، كما سرق سيمفونية الحب لشهرزاد التي احتضنتها في قصائدك وعشقتها في ثورتك ، وصاحبتها في سفرك وترحالك ، وغربتك وفراقك .
سجل
برأس الصفحة الأولى
برأس الصفحة الأولى
أنا لا اكره الناس، ولا اسطو على احد
ولكني… اذا ما جعت، آكل لحم مغتصبي
حذار… حذار… من جوعي ومن غضبي
آه أيها الوجع الذي اغتصبتنا مئات المرات ، فاليوم اغتصبتنا باشد قسوة ، فكيف سنآكل اللحم ونشبع الجوع ونخفف الغضب ، ونحن أُغتصبنا من فراقك ؟ لم تترك لنا في الدار سوي وجعاً يجثم على وجعنا ، وغضباً يتمرد على غضبنا ، وصخور تتآوه ألماً عليك .
أفتقدناك أيها المحمود درويش … افتقدناك ونحن ننبش في قصائدك عن وطن كبير يتسع للوجودية التي بحثت عنها دوماً ولا زلت تبحث حتى توقف قلبك دون عناء في هيوستن ، وأنت تسجل لنا ثورة ووطن وقضية ….
افتقدناك ……….
محمود درويش شاعر الوطن والقضية والمقاومة ، ريشة لم تسقط أبداً بل صنعت ثورة تحديثية في الشعر العربي الحديث مزج به الحب بالوطن ، والثورة بالإنسان ، والقضية بالأدب ، ثورة أنبتت لنا الآه مع الفرح كما كان غسان في أم سعد وعائد غلي حيفا ……
إنه اليوم والميعاد الذي أعدتنا به لسنوات نستذكر غسان ونفتقد محمود درويش الإنسان ابن الجليل الأعلي ذو السبعة والستون عام الذي هاجر مع أسرته إلى لبنان بعد تدمير قريته سنة 1948م ولكنه عاد ليعيش هموم الأرض ويتذوق القهر ويحتضن زنزانة العدو ويشارك القيد قصة بقاء ووجود ، ويغادر مرة أخري ليبدأ رحلة العودة لأم حنون ….
فقيدنا ….. وشاعر ثورتنا محمود درويش :
استطاع أن يسجل لنا حقبة تاريخية من الصراع الأدبي و بمعركة الوجود واللاوجود التي خاضها شعراً وأدباً مع الاحتلال ، ليمتص كل ما هو جديد في التجريب الشعري الحديث ويسخره في المسار السياسي النضالي ليبلور لنا تجربة فريدة متميزة عن جل الشعراء الذين عاصروه من شعراء النضال والكفاح والمقاومة ، ويبقي محمود درويش خلاصة فريدة لحدثاً ثقافياً فريداً مع كل ديوان أو قصيدة يطلقها .
هضم التاريخ والفلسفة والأديان والأساطير ، وحرر الشعر الفلسطيني من وطأ الأيديولوجيا وبراثن التقزيم ، ليجعل منه ثورة ووطن تتسع للجميع ، نعيش بها وتعيش فينا ، ونسافر معها مع أبجديات ثائرة بريشة شاعر ثائر .
فارسنا … وفقيدنا محمود درويش :
الفارس الذي ترجل اليوم التاسع من آب وهو على فراش المرض ليغادرنا ويترك الحزن لنا ، والذكري فينا ، وقلوب مفجوعة مكلومه لم يعد لها زاد يشبع جوعها ، أو ماء يطفئ عطشها
إنه فارسنا الذي استجمعت كل قواي لكي أرثيه فلم أستطع أن أقف لحظة أمام جسده المسجي .. فذرفت الدموع وتاهت الكلمات ، وتلعثم اللسان ، وتمرد القلم …. ونزف القلب … وارتحلت مع أحزاني لأستقر في قاموس الذكري ونبدأ من جديد بالبحث عن محمود درويش
الرحمة للشاعر الأديب المناضل محمود درويش ، والعزاء للأم المكلومه فلسطين
سامي الأخرس
9/8/2008