[ شاؤول موفاز ] قاسم مشترك فلسطيني د. فايز أبو شمالة ماذا تبقى للمفاوض الفلسطيني لإيهام الشعب، وإغراقه في بحور الأمل بحل سياسي مع الدولة العبرية؟ ماذا تبقى من أسس تفاهم مع الدولة العبرية عفا عليها التوسع الاستيطاني، والدم والحصار؟ ولمن يفهم السياسة على أنها [ فن الممكن ] ! فماذا تبقى من قواعد التفاوض القائم على إنقاذ ما يمكن إنقاذه فقط، وليس على أساس الحل العادل والدائم للقضية الفلسطينية؟ أما آن لأصحاب الحلول السلمية أن يحددوا موقفاً فلسطينياً جريئاً بوقف المفاوضات، والإعلان عن ذلك بالصراحة ذاتها التي أعلنها الوزير الإسرائيلي “شاؤول موفاز” المخلص لشعبه، وقناعاته اليهودية، وهو يطرح برنامجه السياسي، كمرشح لرئاسة حزب كاديما، ورئاسة وزراء إسرائيل، حين قال: لا مفاوضات مع سلطتين، وقيادتين للشعب الفلسطيني، بل المفاوضات مع قيادة واحدة، وعلى أسس جديدة، تقوم على الأمن لإسرائيل، ومن ثم إصلاح الوضع الاقتصادي الفلسطيني. فمن أين للفلسطينيين قيادة واحدة، وسلطة واحدة كي تحفظ الأمن الإسرائيلي؟ وكم هي فضفاضة كلمة الأمن لإسرائيل! وهي تحمل عدة أوجه للتفسير. وأي قيادة من القيادتين الفلسطينيتين في غزة ورام الله مستعدة للشرط الإسرائيلي، وقادرة عليه، ومؤهلة للتعامل، ولها المقدرة لكي تقنع الدولة العبرية بالتعامل معها؟ هل هي حكومة رام الله التي وصفها ” موفاز” بأنها عاجزة؟ إن في وصف “موفاز” رد على من يقول أن حكومة رام الله جاهزة ومهيأة لحفاظ الأمن الإسرائيلي في الضفة وغزة، إذا تمكنت، وتلقت الدعم الكافي، ولها تجربة سابقة في هذا المجال. أم هل ستعتمد الدولة العبرية على حكومة حماس في غزة؟ التي وصفها “موفاز” بأنها حكومة [ إرهابية] ؟ وفي هذا رد على من يقول باستعداد حماس لأن تكون بديلاً للسلطة، واختبرت قدرتها على توفير الأمن الإسرائيلي من خلال التهدئة السائدة في غزة، وإمكانية تطبيق النموذج ذاته على الضفة الغربية. . قد يبدو أن ” موفاز” يستغل حالة الانقسام الفلسطيني، ويوظفها لمصلحة شعبه، ولكن الواضح أن الدولة العبرية بكل قياداتها لا تحترم حكومة رام الله، ولا تحب حكومة غزة، وتحتقر الأولى، وتحقد على الثانية، وتتمنى لهما طول البقاء، ودوام الحال، بل وتذكي الخلاف بين الحكومتين، والمسعى هو وأد الثقة بالذات أولاً، ونسف كل المؤتمرات الدولية التي تشبث فيها المفاوض رغم هضمها للحقوق الفلسطينية، والتنكر لكل اللقاءات الثنائية التي أهانت القضية، والالتفاف على الاجتماعات السرية التي تاهت بالقضية في دهاليز المصالح الضيقة. أما يثير الاهتمام بمغزى هذه التصريحات أنها جاءت أمام قيادات اليهود في واشنطن، وما لذلك من دلالة على أنه يتناغم في برنامجه مع المزاج اليهودي العام، فهو لا يمثل موقفاً لمرشح رئاسة حزب، ولا يمثل موقف حزب بعينه، إنه موقف الغالبية من التجمع اليهودي في فلسطين، وخارج فلسطين، في وحدة حال يجمع على هوية الدولة اليهودية، أما الدور المناط بالفلسطينيين في هذه الدولة؛ فهم حراس أمن لدولة إسرائيل، مقابل إصلاح الوضع الاقتصادي لهم، وتوفير الرواتب، وتحسين مستوى إنفاق المسئولين، بما يليق ومستوى حفظ الأمن الإسرائيلي. بهذا الطرح الواضح والصادق، يجرد “موفاز” القضية الفلسطينية من أبعادها السياسية، ويقننها على المستوى الإنساني الخادم لإسرائيل، وهو بذلك يكون قد أكمل المشوار التفاوضي الذي بدأه من سبقوه من قادة إسرائيل، حيث بدأ التسلسل بإخراج القضية الفلسطينية من صراع عربي مع الدولة العبرية المغتصبة لفلسطين، لصير إلى نزاع إسرائيلي فلسطيني فقط، وخلافاً على الحدود، يحل بين الطرفين، ولا يحق لطرف خارجي التدخل، لصير مع الانقسام تهدئة في غزة، والبحث مع الضفة عن نسبة تبادل الأراضي والسكان. إن الوضوح في تصريحات ” موفاز” يضع الفلسطينيين أمام حقيقتين لا تقبلان الجدل: الأولى: أن لا جدوى من تواصل التفاوض القميء، وتواصل مخادعة الشعب الفلسطيني، والتعتيم على المجتمع العربي بأكذوبة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، والتغطية على قصور الأنظمة العربية، وعدم تحملها مسئوليتها تجاه الأرض العربية المغتصبة، وتجاه الشعب الفلسطيني المحاصر، ولعل ما اقنع الدكتور صائب عريقات، وأبو علاء قريع بعد زيارتها الأخيرة لواشنطن، عن الانشغال الأمريكي بقضايا أهم، وعدم الاستعداد للبحث عن شبه حل سياسي بين الطرفين، بل والتحذير من إجراء أي لقاء مع ” تسفي لفني” المرشحة المنافسة ” لشاؤول موفاز” لما لهذا اللقاء من أثر يضعف موقفها أما الحزب. لعل ما سبق أدلة تحتم على الرئيس الفلسطيني أن يعلن عن فشل المفاوضات، ووصولها إلى خط النهاية. والثانية: أن الانقسام الفلسطيني الحاصل بين “حماس” في غزة، و”فتح” في الضفة الغربية، مخطط إسرائيلي انساق إليه الفلسطينيون، ووقعوا في شركه، وهو حالة بائسة سعت إليها الدولة العبرية، ودبرتها في ليل، ليحقق أهدافها الإستراتيجية في تهويد كل فلسطين. فهل يشكل برنامج “موفاز” السياسي الجريء قاسماً مشتركاً فلسطينياً للحوار، مع التأكيد على ضرورة الخروج العاجل من حالة الانقسام المقيت؟. إن إعلان الرئيس الفلسطيني عن فشل المفاوضات مع إسرائيل كفيل بأن يقصر المسافة بين غزة ورام الله، ويقطع الزمن الفاصل بين مفاوضات عبثية كما تقول حماس، ومقاومة عبثية كما يقول الرئيس عباس، ويعلن عن نجاح الحوار الفلسطيني بوحدة الموقف السياسي المكشوف قبل أن يبدأ في الغرف المغلقة.