المشهد المخزى وطنيا والذى عودتنا عليه إسرائيل أو تريدنا أن نعتادعليه فى سياق تذويب القضية الفلسطينية فلسطينيا ، هو هذا المشهد لإستقبالها الفارين والهاربين من الفلسطينيين فى أعقاب مسلسل التصادم والقتال الفلسطينى فى حى الشجاعية بغزه والذى سبقه مسلسل التفجيرات على شاطئ غزه , طلبا للآمان والنجاة من الموت ومن من ؟ من إسرائيل فى سابقة تاريخيه فى تاريخ حركات التحرر الوطنى قلبت لدينا كل المفاهيم والقيم التى حملناها عن الصراع وعن أنفسنا وحتى عن إسرائيل ، بخلع ملابسهم وربط أعينهم والإتجار بهم سياسيا وتصوير الموقف على أنه عامل إنسانى وأن إسرائيل قد تكون أرحم من الفلسطينيين أنفسهم على أنفسهم . وما دام ألأمر كذلك فلتكن لدينا كل الشجاعة السياسية ونعيد تقييم كل المسيرة الوطنية ونجلس مع إسرائيل ونبحث عن حل وتسويه .
هذا المشهد السياسى الذى سيحاسب عليه التاريخ يضع الجميع أما حزمة من الخيارات التى قد إمتزجت بالضبابية والعمى السياسى ما بين الخيارات اللاعقلانية والعقلانية ، والوطنية واللاوطنية والخيارات ألإقليمية والدولية و خيارت التذويب والإنصهار السياسى ، وما بين خيارات التوطين والتشتت ، وخيارت التوحد والتجزأة والإنقسام , وخيارات الغربة فى الشتات وخيارات التغرب على أرض الوطن . لقد بات الفلسطينيون أمام حزمة من الخيارات المتداخله والمتشابكه والمعقده لدرجة يصعب معها الإختيار بعين فلسطينيه ونحتاج إلى عيون أخرى لعل وعسى تنقذ القضية الفلسطينية من الذهاب إلى خيار اللاخيار .
لقد كشف تطور أحداث المشهد السياسى الفلسطينى أن الفلسطينيين يجيدون إضاعة الفرص التاريخية وهى عديده لكن من أهمها فرصة بناء نظام سياسى ديموقراطى وهو ما تحققت إرهاصاته ألأولى مع الإنتخابات الرئاسية والبلدية والتشريعية والتى فازت فيها حركة حماس بأغلبية المقاعد وكان يفترض أن يشكل ذلك بداية مرحلة سياسية جديده فى العمل السياسى الفلسطينى ، لكن الأمور جاءت على عكس ما تفرضه مسيرة البناء الديموقراطى وبداية إصلاح حقيقى للنظام السياسيى الفلسطينى الذى أصابه التلرهل والضعف عبر عقود طويله فانقلبت الديموقراطية على نفسها وبدا واضحا منذ البداية عدم قدرة النظام السياسي على توفير إطارا سياسيا للتعايش والتوافق من ناحية ، وعدم القدرة على تقبل نتائج الديموقراطية الفلسطينية داخليا وإقليميا ودوليا وهذه مسؤولية الجميع فيما آلت إليه تطورات القضية الفلسطينية . وهكذا وبوعى أو دون وعى وبفعل داخلى أو خارجى فقد ذهب الفلسطينيون بأنفسهم ونظامهم السياسيى الوليد والذى لم تتوفر له بعد عناصر المناعة السياسية والحاضنه السياسية الفلسطينية ، إلى أزمة بنيوية مركبه إزدادت تعقيداتها مع كل يوم لم تبذل فيه الجهود الصادقة والمخلصه للوقوف على عناصر ألأزمة ومواجهتها حتى وصلنا إلى حالة ألإنقلاب السياسيى وهى حالة لم يكن أحد يتصورها ، والمؤسف أننا شجعنا وساهمنا فى تحويلها إلى حالة إنقلاب حقيقيه رغم أنه كان بالمقدور إحتوائها منذ البداية ، حتى وصلنا إلى أحداث شاطئ غزه وحى الشجاعية .والله أعلم ماذا بعدها . وهكذا لم تعد ألأزمة مجرد نزاع بسيط على حكم أو سلطة ناقصه ، أو تنازع على جزء من ألأرض لا تتجاوز مساحته واحد فى المائة من مساحة فلسطين ، بل هو أعمق من ذلك بكثير وبدأ كمرض السرطان التى لم تكتشف أعراضه إلا متأخرا ، لتتوغل إلى ثنايا المكونات الجينية الصغيرة التى قد لا ترى بالعين والتى تتصل بالمشروع الوطنى الفلسطينى كله ، وبمستقبل الشخصية والهوية الفلسطينية . وفى كيفية إدارة الصراع وبأى وسيلة وماهى المقاومة المطلوبه والتى تنبع من طبيعة الصراع نفسه ، وبمستقبل الدولة الفلسطينية . وفى مثل هذه أزمة يفقد المتنازعون والمتصارعون القدرة على الحل وحتى على الحوار البسيط الهادئ, فحوار ألأخوة قد يكون أصعب بكثير من حوار ألأعداء ، فالأخير تحكمه لغة وإعتبارات المصلحة المشتركه ، ولذلك يقال فى السياسة صديق اليوم قد يصبح عدوا وعدو اليوم قد يصبح صديقا . أما حوار ألأخوة وبصرف النظر عن روابط ووشائج ألأخوة والدم قد تحكمها نزعات ورغبات خطيره قاتله تصل إاى حد النفى والإلغاء والقتل والإبعاد والتعامل من منطلق ليس فقط الخصومة بل من منطلق العداوة المطلقه .ولنا فى المنازعات العائلية مثال واضح على ذلك ، وهذا ما يفسر لنا إستمرارية مثل هذه المنازعات ، لكن الفارق الوحيد بينه وبين المنازعات مع الأعداء أنها مهما طالت لا بد أن تعود إلى حالتها الأولى لأنه فى النهاية علاقة الأخوة لا بد أن تغلب ، وهنا تكمن بارقة ألأمل فى الحوار الفلسطينيى .
وفى يقينى أن الفلسطينيين قد أثقلوا أنفسهم بمشاكل وقضايا قد فاقت قدرتهم فى التعامل معها ، ألا يكفيهم مشاكل الإحتلال والحصار ، ومشكلة التنمية والبناء السياسى ، ومشكلة الدولة الفلسطينية ومؤسساتها ، ومشكلة إعادة تقييم تجربتهم السياسية ، ومشكلة الديموقراطية وعلاقاتهم الخارجية ، ومشكلة بناء إقتصاد تتوفر له قدر من الإستقلالية والتحرر ، ومشكلة بناء نظام تعليمى ونظام للعدالة وغيرذلك كثير .
إذن الفلسطينيون أمام متواليه متراكمه من المشاكل والتحديات السياسية والإقتصادية والإجتماعية وكلها تحتاج إلى رؤية سياسية واضحه خاليه من التنازع والخلاف . المطلوب من الفلسطينين أكثر من غيرهم
أن يقدموا نموذجا فى البناء السياسى الديموقراطى وفى المقاومة التى تقربهم من تحقيق أهدافهم الوطنية .
أن يقدموا نموذجا فى البناء السياسى الديموقراطى وفى المقاومة التى تقربهم من تحقيق أهدافهم الوطنية .
أعود وأتساءل ما هى الخيارات المتاحة امام الفلسطينيين ، هل الخيار بالعودة إلى ألإحتلال وهو قائم وتتولى إسرائيل أمورنا ، أم ان الخيار بتسليم القضية إلى ألأمم المتحده ووضع فلسطين تحت الوصاية الدولية وهنا يمكن توسيع دور وكالة الغوث أو تشكيل لجنة دولية ، أو بالذهاب إلى الحلول الإقليمية وألإنصهار فيما يطرح ألأن من حلول كونفدرالية وفيدرالية ، أو بالإستمرار فى حالة الإنقسام والقتال ، أو ألذهاب أبعد من ذلك بتقسيم ما تبقى من أ{ض على التنظيمات والقوى الفلسطينية وكفى باله شرور القتال ، وهذا موضوع مقالتى القادمه ، كل هذه الخيارات تذهب بالقضية الفلسطينية إلى خيار الذوبان والإنصهار ، والندم على مسيرة نضال دامت أكثر من ستين عاما راح ضحيتها مئات الآلآف من الشهداء وألأسرى ن والمعذرة لأسرانا . أم الخيار بالعودة إلى خيار الحوار والمصالحة والتسامح على أسس ورؤى مشتركه وليس بالضرورة متطابقه .لقد آن ألأوان ان نعيد تقييم كل مسيرة النضال وإعادة الهيبة والمصداقية للقضية الفلسطينية والتعامل مع المواطن الفلسطينى من منظور الكرامة الوطنية وهذه هى الخطوة فى عملية التحرر والبناء السياسى الديموقراطى . وأخيرا هل تنبه الفلسطينيون إلى ألأخطار التى لن ينجو منها أحد قبل فوات ألأوان ؟
دكتور /ناجى صادق شراب /أستاذ العلوم السياسية /غزه