الإنسان هو المشروع الوحيد في الوجود (سماء المعقولات)، يوجد أولا ثم يحدد كيف يكون، يوجد، يفكر … أي يحدد ماهيته انطلاقا من ذاته المبدعة، الحرة، المريدة، الخلاقة والمتأملة، دون أن يوجد حسبما يراد له أن يوجد ويكون، انطلاقا من تنشئة اجتماعية مصاحبة لوجوده وثقافة مجتمعية عامة سابقة عن وجوده، بعيدا عن الأجهزة الإيديولوجية حسب “لويس ألتوسير” من (مدرسة، إعلام، أجهزة الدولة، مؤسسات المجتمع ككل وثقافته) ، أي أن الإنسان يجب أن يستجيب للدعوة الأنطولوجية الكونية التي تتخذ منه كمنطلق وكغاية، وليس كوسيلة أو شيء، أو إنسان يعيش في أحضان الكولونيالية الوجودية والاستلاب الذي يخنق آماله ويكبت طاقاته اللامتناهية، فحسب آخر الدراسات في الموارد البشرية، ما يكمن في الإنسان من طاقة، كاف ليزود ولاية أمريكية كبرى بالكهرباء «مجازا»، هذا مفاده : أن الإنسان الكوني، الحر هو مواطن كوني في دولة اسمها (العالم/الكون) ، يؤمن بالقيم الإنسانية العليا، يحب ويعشق أن يكون إنسانا بامتياز، بعيدا عن شخصية المهزوم وجوديا والفاشل واقعيا وثقافيا في انتماءاته وقناعاته وسلوكاته ونمط وجوده [السادومازوشية](1). وبقراءتنا الموضوعية لمحنة الوجود العربي، نجد أن الموروث عن نكبة فلسطين (1948) وحرب (1967) ، والعدوان الثلاثي على مصر، وانهزام بغداد رمز الحضارة العربي علميا ودينيا وفلسفيا، وانكفاء جيل الثورة على نفسه، وانقبار الفكر القومي العربي والنزعة الباسماركية مع “جمال عبد الناصر”، إلى جانب الموروث الاستعماري لكل شعب عربي وما خلفه تاريخ الرضوخ والقهر من كدمات نفسية واجتماعية وثقافية في اللاوعي الجمعي العربي، كل هذا يشكل ملحمة “محنة الوجود العربي”، إلى جانب ظهور الأنظمة الاستبدادية التي تمارس قهرا بالنيابة عن الدول الامبريالية في العالم، إن فسيفساء التاريخ المرسوم بدم الشهداء في إطار نضاله للتحرر، والإيمان بترنيمة الشابي ( إذا ما الشعب يوما أراد الحياة «» فلابد أن يستجيب القدر) ، كل هذا شاهد على التمزق الوجودي العربي الذي ورثته الأجيال، والتبعية المطلقة التي أصبح الإنسان العربي مغمورا بها حتى النخاع، في عصر العولمة الفكرية والاقتصادية والسياسية بل حتى المرضية، هذا التمزق الذي ساهم في رسم إنسان عربي يعيش قلق التخلي، وكأنه طفل فقد أمه أقصد أمته، التي تؤمن له سرمديته ونبوغه الأزلي وتميزه الحضاري، فالأمة هي جامعة لرفات إنسان كان، وكينونة إنسان كائن، وحاضنة لإنسان سيكون، لكن من سيحزن على ملحمة إنسان عربي ومحنة أمة مكابرة رغم التنهد والشجون ؟! (1) [السادومازوشي] : الإنسان الذي يتلذذ بتعذيب ذاته والآخرين، كحالة مرضية لاشعورية ونفسية . بوغولــــــيد رشــــــــيد : كــــــاتب ومــــــفكر مــــــــغربي للمزيد من المعلومات المرجو الاتصال : E Email : [email protected] E GSM : 0021267.49.10.09