مات في احدى المستشفيات الأمريكية في هيوستن غريباً.. كثيرة هي الاشياء التي تقتل الفلسطيني في وطنه ومنفاه غريباً. ان لم يقتله رصاص الصهاينة مات غمدا من خيانات اخوته العرب وتخليهم عنه, وان لم يمت بخيانة الحكام، قتله الانقسام والتحارب الفلسطيني.
ليس غريباً اذن ان يسلم شاعر فلسطين والانسانية جمعاء محمود درويش روحه لبارئها، ليس غريباً أن يستسلم للموت الذي كان قد هزمه مسبقا بجداريته الرائعة. تراه وهو يسلم الروح كرر أيضا في اعماق نفسه: أن هناك شيئا يستحق من اجله الحياة.
لا شيء يغري يا درويش بالحياة الآن. نم مرتاحا، يكفيك ما رصدته من هزائم وحنين، يكفيك اسئلة فجرتها في وجه الانسانية كلها وانت تسأل لماذا ترك ابوك الحصان وحيداً؟ كي يؤنس البيت. البيت الذي سكنه بشر. والبشر الذين هم الفلسطينيون.. المغيبون عن ضمير العالم. وانت ما فككت تطرق جدران هذا الضمير وانت تعلم أن لا ضمير لعالم اليوم.
نم مرتاحاً يا درويش لن تقتلك اخبار دمائنا التي تسيل بأيادينا بعد اليوم. لن تموت ثانية وانت ترمي بنظرك نحو الكونتانات التي خلقها الصهاينة واكملنا بنائها نحن بانقسامنا وسخافتنا وجرينا وراء العروش الواهية.
لك ألف قبلة من فريق وطن وأنت محمول على النعش..
هذا النعش الذي أرقك في قصيدتك وتساءلت ذات مرة ماذا سيقول عنك مشيعوك
أنت الحي ونحن الميتون يا درويش
انت الحي ونحن المحمولون على نعش كبير..
أنت الباقي ونحن الميتون بحسرتنا
أبو البدر
جدارية
هزمتكَ يا موتُ الفنونُ جميعها
هزمتك يا موت الأغاني في بلاد
الرافدين. مسلّة المصريّ، مقبرة
الفراعنة،
النقوش على حجارة معبد. هزمتك
وانتصرتْ، وأفلتَ من كمائنك
الخلودُ…
فاصنعْ بنا، واصنعْ بنفسك ما تريدُ.